ثائر صالح
تكثر المناسبات اليوبيلية للموسيقيين المشهورين في العام الحالي على غير العادة. وقد جاء الدور الآن على يوهان شتراوس (الثاني أو الابن)، فقد مرت بالأمس الذكرى اليوبيلية الثانية لولادته في 25 تشرين الأول 1825 في فيينا عاصمة إمبراطورية النمسا التي حكمتها عائلة هابسبورغ لقرون. اشتهر شتراوس الابن على صعيد عالمي بفضل عمله فالس «الدانوب الأزرق»، الذي يعدّه الكثيرون النشيد الوطني النمساوي غير الرسمي. عائلة شتراوس عائلة موسيقية نمساوية شهيرة، أنجبت عدداً من نجوم الموسيقيين على امتداد بضعة أجيال لا يزال أعضاؤها نشطين حتى اليوم، تخصصت بالموسيقى الراقصة على الأغلب، كذلك بالموسيقى «الترفيهية» مثل تأليف الأوبريتات التي عادة ما تكون هزلية. لكن أفراد العائلة ألفوا المارشات العسكرية وبعض الموسيقى «الجادة» كذلك. فهم بذلك أقرب إلى نجوم الموسيقى الشائعة بمفهوم اليوم منهم إلى شهرة بيتهوفن وموتسارت مثلا.
يعود الفضل في انطلاقة رقصة الفالس النمساوية واكتساحها أوروبا إلى مؤتمر فيينا الذي انعقد في العام 1814 واشترك فيه حكام أوروبا لإعادة تخطيط حدود الدول بعد هزيمة نابليون. وبطبيعة الحال كان إقامة حفلات الاستقبال الباذخة من أوليات البروتوكول والدبلوماسية، ولا توجد حفلة استقبال من دون موسيقى ورقص. كانت هذه فرصة كبيرة لتأليف موسيقى ترفيهية جديدة مهدت لسيادة رقصات مثل الفالس والبولكا. وفي غضون عقد أو عقدين، أُنشِئت في فيينا 60 قاعة للرقص وتأسست عشرات المدارس لتعليمه. لا تزال جذور تلك الحقبة موجودة اليوم في فيينا، فهذه الرقصات جزء لا يتجزأ من الحياة الثقافية والاجتماعية النمساوية، وهناك نحو 30 مدرسة رقص تعمل دون كلل لتعليم الرقص وما يتعلق به من آداب وملبس وغير ذلك. وكان لعائلة شتراوس النصيب الأكبر في هذا النجاح، ممثلة بيوهان شتراوس الأب (1804 - 1849) لكن بالدرجة الأولى يوهان الابن، دون أن نهمل مساهمة أخويه الأصغر منه، يوزف وإدوارد. ويُعزف اليوم نحو 500 عمل من أعمال شتراوس الابن خلال موسم الكرنفال (في شباط) في مئات من الحفلات، أهمها حفلة دار أوبرا الدولة الشهيرة، حيث بلغت قيمة تذكرة الحفل 395 يورو. وقد أمّ حفلات الكرنفال في موسم 2023 - 2024 أكثر من نصف مليون شخص. كما يحتل شتراوس الابن وباقي عائلة شتراوس الجزء الأكبر من برنامج حفل السنة الجديدة التي تقدمها فرقة فيينا الفيلهارمونية كل عام.
انطلق الاحتفال بالمئوية الثانية في أواخر العام الماضي، واستعملت هيئة السياحة في فيينا شعار «ملك الفالس، ملكة الموسيقى» في إشارة إلى شتراوس ومدينة فيينا عاصمة الموسيقى حيث يحضر 10 آلاف شخص حفلات الموسيقى كل مساء يومياً. يشترك في البرنامج الاحتفالي الذي ينتهي هذا الشهر أكثر من 400 فنان في 69 موقع في كل أحياء المدينة. ويبلغ عدد التذاكر مجتمعة نحو 90 ألف تذكرة، علاوة على النشاطات المجانية الكثيرة التي تستقطب مئات الآلاف من المشاهدين. وقد سعدت قبل أيام بمشاهدة أوبريت شتراوس الابن «الوطواط» على قاعة «المسرح على نهر فيينا» الذي شهد تدشين سيمفونيات بيتهوفن سابقًا.
موسيقى الاحد: المئوية الثانية لولادة ملك الفالس

نشر في: 26 أكتوبر, 2025: 12:01 ص









