TOP

جريدة المدى > عام > جون سيرل.. الفيلسوف الذي تناول الصراع بين الانسان والآلة

جون سيرل.. الفيلسوف الذي تناول الصراع بين الانسان والآلة

نشر في: 26 أكتوبر, 2025: 12:02 ص

نجاح الجبيلي
كان جون سيرل (1932–2025) من أبرز فلاسفة القرن العشرين وأكثرهم إثارةً للجدل، اشتهر بجداله حول طبيعة الوعي وحدود الذكاء الاصطناعي، وبأسلوبه الصريح الذي جمع بين السخرية والحدة الفكرية. وقد توفي في فلوريدا عن عمرٍ ناهز 93 عامًا بعد تدهور صحته إثر إصابته بفيروس كورونا. على مدى ستين عامًا في جامعة كاليفورنيا – بيركلي، خاض سيرل معارك فكرية امتدت من الفلسفة التحليلية إلى السياسة الجامعية. وكان من أشهر مقولاته: «لست متحفظًا أو غامضًا». عُرف بسخريته اللاذعة من خصومه الفلسفيين مثل دانيال دينيت وجاك دريدا، إذ اتهم الأول بعدم الجدية في التعامل مع القضايا الفكرية، ووصف الثاني بأنه «غامض عمدًا». أشهر أعماله الفكرية تمثَّل في تجربته الفكرية المسماة «الغرفة الصينية»، التي طرحها مطلع الثمانينيات حجةً ضد فكرة أن البرامج الحاسوبية يمكن أن «تفكر» أو «تفهم». تخيّل سيرل نفسه محبوسًا في غرفة لا يعرف فيها اللغة الصينية، ومعه دليل لتجميع الرموز الصينية وفق قواعد شكلية. ورغم أن إجاباته تبدو صحيحة لمن في الخارج، فإنه في الحقيقة لا يفهم المعاني، بل يتبع رموزًا فقط. أراد سيرل من ذلك القول إن الحاسوب لا يمتلك وعيًا أو إدراكًا، بل يكتفي بمعالجة الرموز وفق برنامج محدد. بذلك رفض سيرل تشبيه العقل بالبرمجيات أو الدماغ بالأجهزة الصلبة، مؤكدًا أن الحالات النفسية والوعي ناتجة عن عمليات بيولوجية في الدماغ، لا عن رموزٍ مجردة. وأصبحت تجربته هذه من أكثر الحجج نقاشًا في الفلسفة وعلم الإدراك بعد اختبار تورينغ الشهير. ومع التقدم الكبير في الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة، أُعيد النظر في بعض مواقفه، خصوصًا قوله عام 2014 إن «خطر أن تثور الحواسيب وتقتل البشر ليس حقيقيًا»، لأن الذكاء الاصطناعي «يفتقر إلى الوعي والدافع والاستقلالية». لكن اكتشافات حديثة مثل ظاهرة «الاختلال الفاعلي» (agentic misalignment) جعلت أسئلته حول الفاعلية والنية أكثر إلحاحًا. وُلد سيرل في دنفر لعائلة متعلمة؛ كانت والدته طبيبة أطفال، ووالده مهندسًا في شركة AT&T. درس في جامعة ويسكونسن قبل أن يفوز بمنحة رودس إلى جامعة أكسفورد، حيث نال درجاته الثلاث في الفلسفة. تزوّج من الفيلسوفة داغمار كاربوش، التي أصبحت شريكته الفكرية والمحرّرة الدائمة لأعماله. التحق بجامعة بيركلي عام 1959، وشارك في احتجاجات الستينيات، قبل أن ينتقد لاحقًا «راديكالية الطبقة الوسطى». كتب بإسهاب في مجلة «مراجعات نيويورك للكتب»، حيث وُصف بأنه «محمد علي الفلاسفة» لشجاعته في المناظرات الفكرية. في عام 2016 افتُتح باسمه «مركز جون سيرل للأنطولوجيا الاجتماعية» في بيركلي، لكن مسيرته انهارت بعد عامٍ واحد حين وُجّهت إليه تهمُ تحرشٍ جنسي من مساعدةٍ بحثية. تبعتها شكاوى أخرى من طالباتٍ سابقات، وأغلقت الجامعة المركز، ثم سحبت منه لقب الأستاذ الفخري عام 2019 بعد تسوية القضية. جاءت الفضيحة قبل انطلاق حركة #أنا_أيضًا بقليل، وأصبحت علامةً على الحاجة إلى إصلاح الثقافة الجامعية في الفلسفة. بعد وفاته استمرت بعض الأصوات في الدفاع عنه، بينما رأى آخرون أن إرثه الأكاديمي لا يمكن فصله عن سلوكه الشخصي. ومع ذلك، يبقى سيرل من أبرز من صاغوا النقاش الحديث حول العلاقة بين الوعي والآلة، وقد غيّر بمفارقاته الفكرية فهمنا لما يمكن أن يعنيه أن «نفكر».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram