بغداد / محمد العبيدي
تجددت الانتقادات الموجهة إلى نظام الكوتا الانتخابي في العراق مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني المقبل، وسط تحذيرات من أن هذا النظام لم يعد يحقق هدفه في تمثيل الأقليات، بل أصبح أداة لإعادة إنتاج نفوذ الأحزاب الكبرى داخل البرلمان.
وبحسب قانون الانتخابات، خُصصت للأقليات تسعة مقاعد من أصل 329 مقعداً، خمسة منها للمكون المسيحي، فيما توزعت المقاعد الأربعة الأخرى على الشبك والأيزيديين والفيليين والصابئة المندائيين.
ورغم أن الهدف المعلن من هذا التخصيص هو ضمان المشاركة المتوازنة للمكونات الصغيرة، إلا أن طريقة تطبيق النظام أفرغته من مضمونه، وجعلت مقاعد الأقليات جزءاً من الصراع السياسي العام.
ويرى مختصون أن الإشكالية تبدأ من الإطار القانوني ذاته، إذ تتيح المادة (15) من قانون الانتخابات لأي ناخب التصويت لمرشح الكوتا بغض النظر عن قوميته أو ديانته، وهو ما يجعل هذه المقاعد عرضة للتأثير من خارج المكون المستهدف، وبذلك يمكن للأحزاب الكبرى حشد أعداد كبيرة من الناخبين لدعم مرشحين موالين لها، ما يجعلهم مدينين بولائهم لتلك القوى بدلاً من جمهورهم الأصلي.
كما لا توجد آلية واضحة تلزم مفوضية الانتخابات بالتحقق من انتماء المرشح إلى المكون الذي يترشح باسمه، ما يفتح الباب أمام شخصيات لا تمتلك امتداداً اجتماعياً أو تمثيلاً فعلياً داخل المكونات التي يُفترض أن تمثلها.
ضربة للمكونات
من جانبه، انتقد النائب المسيحي السابق يونادم كنا الطريقة التي فسّرتها بها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بشأن نظام الكوتا المخصص للمكون المسيحي، مؤكداً أنه «لم يحقق الهدف الأساسي من تمكين المسيحيين من اختيار ممثليهم بحرية».
وقال كنا لـ(المدى)، إن «سماح المفوضية لجميع العراقيين بالتصويت للمقاعد المخصصة للمسيحيين مكّن الأحزاب الكبرى من السيطرة على هذه المقاعد بأصوات من خارج المكون»، مشيراً إلى أن «ذلك الوضع قلّل من التأثير المباشر للمسيحيين في اختيار ممثليهم داخل البرلمان».
وأضاف أن «استمرار هذه الممارسات يضع المكونات الدينية الصغيرة تحت ضغط سياسي دائم، ويهدد بفقدان ثقتها بالعملية الانتخابية ككل».
ودعا كنا إلى «مراجعة شاملة لنظام الكوتا وإصلاح القانون الانتخابي بما يضمن أن يحصل كل مكون على حقه الكامل في التمثيل الحر والمستقل بعيداً عن التوظيف الحزبي أو الحسابات الانتخابية للأكثرية».
وتشير بيانات انتخابية إلى أن معظم مرشحي الكوتا في الدورات السابقة فازوا بأصوات جاءت من خارج المكونات التي ينتمون إليها، وهو ما جعل حضور الأقليات داخل البرلمان شكلياً في أغلب الأحيان، فبدلاً من أن تكون الكوتا وسيلة لإشراك هذه المكونات في القرار التشريعي، أصبحت قناة جديدة لتوسيع نفوذ القوى التقليدية على حساب التمثيل النوعي.
وفي ظل غياب مجلس أو هيئة مستقلة تتابع أداء ممثلي الكوتا، لا توجد جهة قانونية يمكنها مراجعة شرعية تمثيلهم أو محاسبتهم في حال فقدوا ثقة مكوناتهم، وهو ما يفسّر، بحسب متابعين، تراجع ثقة الأقليات بالعملية الانتخابية وشعورها بالتهميش في المؤسسات التشريعية والتنفيذية على حد سواء.
تحديات أمام الأقليات
وفي هذا السياق، أكد المحلل السياسي علي البيدر أن نظام الكوتا «يواجه تحديات كبيرة تؤثر على قدرة الأقليات في اختيار ممثليها بشكل فعّال».
وقال البيدر لـ(المدى)، إن «هذه المقاعد غالبًا ما تخضع لإرادات خارجية، ما يجعل الفائزين بها غير قادرين على تنفيذ برامج تلبي احتياجات مجتمعاتهم المحلية»، مشيراً إلى أن «بعض المرشحين يعتمدون على الإغراءات أو التحشيد من خارج مناطقهم لتعزيز فرصهم الانتخابية، وهو ما يزيد من تهميش القاعدة الشعبية للمكونات الصغيرة ويضعف التمثيل الحقيقي للأقليات».
وبيّن أن «إصلاح هذا النظام يتطلب إنشاء دوائر انتخابية خاصة بالأقليات ومنع ترشحهم خارج مكوناتهم الأصلية، مع الحد من تدخل الأحزاب الكبرى التي تستثمر مقاعد الكوتا لخدمة أجنداتها السياسية».
كوتا الأقليات تحت المجهر.. ضمان للتمثيل أم أداة نفوذ جديدة؟

نشر في: 26 أكتوبر, 2025: 12:01 ص









