الكوتاضطر أبو احمد البالغ من العمر أربعين عاما إلى إغلاق محله المخصص لبيع الأدوات الاحتياطية للسيارات والواقع بجوار مقبرة الانكليز في الكوت 180كم جنوب شرق بغداد وذلك بسبب ما يصفه بالتلوث الكبير الذي تشهده هذه المقبرة بفعل إهمالها. ويشير أبو احمد الذي بدا منزعجا مما آلت إليه نهاية هذه المقبرة، إلى أنها تحولت إلى مكبّ لنفايات المساكن القريبة منها وتجمع الجرذان والحشرات بمختلف أنواعها، الأمر الذي جعل من العمل بجوار هذه المقبرة ينذر بأخطار صحية. ويضيف "لا نعرف ما العمل إزاء هذه المشكلة، فالروائح الكريهة بدأت تنطلق من مقابر الجنود".
وتقع مقبرة الانكليز وسط مدينة الكوت وتضم رفات 450 جنديا بريطانيا قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بين الجيشين البريطاني والعثماني بين عامي 1914- 1918 وحصل خلالها ما يعرف بـ "حصار الكوت"، الذي قاده الجنرال تاوزند. وتتجاوز مساحة المقبرة 2000 متر مربّع، وتحيط بها المحال التجارية وبعض المنازل والأسواق، كما يسيّجها سور يضم رسومات مختلفة. إلا ان قدمه كان سببا في سقوطه، الأمر الذي جعل من المقبرة مفتوحة على الأهالي. أما قبور القتلى في مقبرة الانكليز، فقد تلاشت وضاع أثرها بشكل شبه نهائي بعد أن هيأت الظروف المناخية للنباتات الطبيعة أن تنمو بشكل سريع. وبضجر يبدو على محيا أبو احمد أشار إلى أن "المقبرة تحولت إلى مرعى آمن لأغنام البيوت القريبة منها، بفعل وجود الحشائش المتنوعة". لكن اللافت أن مقبرة الانكليز تقع وسط حي سكني يعد من اعرق وأقدم أحياء الكوت من دون أن تبادر الحكومة المحلية إلى عمل شي يجنب هذه العوائل المخاطر البيئية المحتملة. ماجد سمين، سكن هذا الحي لسنوات طويلة، قبل أن يضطر لمغادرته العام الماضي، بعد أن أيقن أن بقاءه فيه يتسبب بإلحاق الأذى والمخاطر الصحية بابنته الوحيدة "ورد" ذات الخمس سنوات. يقول ماجد لـ "نقاش": "سابقا كانت المقبرة تدار من قبل حارس عراقي من سكنه الحي القريب منها وكان هذا الرجل يهتم بنظافتها بشكل مستمر، إلا أن قراره بترك العمل في المقبرة بعد انقطاع مرتباته أدى إلى أن تكون على هذه الحالة". وكانت السفارة البريطانية في بغداد تدفع مرتب حارس المقبرة الذي عمل فيها منذ ستينات القرن الماضي، قبل أن ينقطع مرتبه سنة 1991 مع اندلاع حرب الخليج الثانية. وأشار الأهالي إلى أن وفدا من السفارة البريطانية في العراق زار المقبرة سنة 2003 ووعد بتنظيفها وترميمها دون أن يتم الأمر لاحقاً. وطالب ماجد وعدد من أهالي الحي بتنظيف المكان وتأمين حارس جديد على أقل تقدير" فالمقبرة اليوم تفتقر إلى ابسط مقومات النظافة وبدأت بعض من قبورها تندثر بسبب تراكم الأوساخ إلا أن الرخامة التي تحتوي على أسماء القتلى وأماكن دفنهم مازالت موجودة ومن الممكن إنقاذها". وبحسب المؤرخين المحليين فإن مقبرة الانكليز في الكوت تحتل أهمية تاريخية بالنسبة للعراق. ويقول المؤرخ غني العمار لـ "نقاش"، أن مدينة الكوت كانت قد شهدت إبان الحرب العالمية الأولى حصاراً دام (147) يوماً اضطر فيه (13) ألف عسكري بريطاني وهندي إلى الاستسلام للقوات العثمانية في 26 نيسان/ أبريل 1916 وقد دفن الانكليز قتلاهم في هذا الموقع. ويطالب المؤرخ العراقي الحكومة المحلية بالتدخل لحماية الموقع التاريخي، إلا أن الأخيرة تشكو عدم قدرتها على التصرف بسبب رفض السفارة البريطانية في بغداد. وأوضح المهندس علي لفته مدير قسم المباني في بلدية الكوت لـ "نقاش" إن محافظة واسط فاتحت السفارة البريطانية بشأن إمكانية تنظيف المقبرة وإعادة تأهيلها "لكن السفارة لم توافق على هذا الطلب بل شددت على عدم السماح للحكومة المحلية بالمساس بالمقبرة". وأضاف" نقوم بين الحين والآخر بحملات تنظيف الأماكن القريبة من المقبرة إلا أننا لا نتمكن من الدخول إلى الباحة خشية الملاحقات القانونية". وتضم الكوت مقبرة ثانية تعود لفترة الحرب العالمية الأولى تضم رفات جنود كانوا يخدمون في الجيش العثماني، لكنها تحظى برعاية واهتمام السفارة التركية. وفي هذا الصدد أشار ماجد أحد القاطنين السابقين في الحي أن "على السفارة البريطانية التحرك، إن لم يكن من أجلنا، فمن أجل ذكرى جنودها القتلى.
وسط إهمال السفارة البريطانية.. مقبرة الجنود الانكليز في الكوت مكبّ للنفايات
نشر في: 20 مارس, 2011: 05:50 م