متابعة / المدى
أعلنت قوات «الدعم السريع» سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، آخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، في تطور عسكري اعتبرته الأمم المتحدة منعطفاً خطيراً يهدد بتفاقم المأساة الإنسانية. الأمين العام أنطونيو غوتيريش دعا إلى وقف فوري للقتال ورفع الحصار عن المدنيين، فيما حذر مراقبون من أن السيطرة الجديدة قد تغيّر خريطة الحرب في السودان بالكامل.
وأكدت قوات «الدعم السريع» في بيان رسمي، مدعوم بصور تُظهر انتشار مقاتليها داخل المدينة ومقرّ الفرقة السادسة مشاة، إحكام سيطرتها على الفاشر، ما يجعل ولايات دارفور الخمس تحت نفوذها الكامل.
وقال رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، إن انسحاب الجيش من المدينة جاء «حرصاً على حياة المواطنين وتجنيب الفاشر مزيداً من الدمار».
هذا التطور العسكري الكبير أنهى فعلياً وجود الجيش النظامي في دارفور، وهو ما اعتبره مراقبون نقطة تحول حاسمة في مسار الحرب المستمرة منذ أبريل/نيسان 2023. وقال محمد آدم عبد اللطيف، مسؤول مكتب الإعلام في غرفة طوارئ معسكر أبو شوك للنازحين في دارفور، لبرنامج «يوميات الشرق الأوسط» من بي بي سي، إن الاتصال انقطع مع طاقم غرفة الطوارئ في الفاشر، مشيراً إلى مقتل ستة من أعضائها وظهور بعضهم كرهائن لدى قوات «الدعم السريع». وأوضح أن أعداداً كبيرة من المدنيين تحاول الفرار من المدينة، لكن كثيرين يُقتلون أثناء محاولاتهم التسلل عبر الطرق الغربية والجنوبية، خصوصاً في المناطق التي تتمركز فيها قوات «الدعم السريع». في الأثناء، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه البالغ من الأوضاع المتدهورة في الفاشر، داعياً إلى وقف فوري للأعمال العدائية والانخراط في مفاوضات جادة بإشراف مبعوثه الشخصي إلى السودان، رمطان لعمامرة. وقال في بيان صدر عن مكتبه إن المدينة والمناطق المحيطة بها تحولت إلى مركزٍ للمعاناة، حيث يعيش مئات الآلاف من المدنيين تحت حصار خانق، فيما يموت العديد منهم يوميًا بسبب سوء التغذية والأمراض والعنف.
وأضاف غوتيريش أن التقارير الواردة تشير إلى انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، من بينها استهداف المدنيين والبنية التحتية والعنف القائم على النوع الاجتماعي والهجمات ذات الدوافع العرقية. ودعا إلى رفع الحصار وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بسرعة ومن دون عراقيل، محذراً من استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان، ما يزيد من تعقيد الأزمة.
وتُعد الفاشر آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، الذي يشكل نحو ربع مساحة السودان. وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة، إذ تربط الإقليم بعدة ولايات سودانية وبشريط حدودي يمتد إلى تشاد وليبيا وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان. ويعني سقوطها أن قوات «الدعم السريع» باتت تسيطر على الشريط الغربي بأكمله من دارفور إلى كردفان، ما يمنحها موقعاً تفاوضياً قوياً وقدرة على التحكم في خط الدفاع الغربي للسودان.
الإقليم غني بالموارد الطبيعية، ولا سيما الذهب والثروة الحيوانية، حيث تُعد مناطق التعدين في جبل عامر والردوم من أبرز مواقع استخراج الذهب في البلاد. هذه الموارد تجعل من السيطرة على دارفور مكسباً اقتصادياً إلى جانب أهميتها العسكرية والسياسية.
ويرى مراقبون أن سقوط الفاشر قد يضعف نفوذ حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، اللتين كانتا من أبرز القوى الموقعة على اتفاق جوبا للسلام عام 2020، إذ فقدتا قاعدتهما الجغرافية الرئيسية في الإقليم.
وتشير صور الأقمار الاصطناعية الأخيرة إلى انتشار سواتر ترابية حول المدينة، ما يعكس حالة الاستعداد العسكري والقلق من تصعيد جديد في القتال. ومع إحكام «الدعم السريع» قبضتها على دارفور، يخشى المراقبون أن يمتد الصراع نحو كردفان وولايات أخرى، ما قد يعمّق الانقسام الداخلي ويزيد المعاناة الإنسانية.










