المدى/متابعة
يشهد قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا واسع النطاق منذ صباح الأربعاء، مع استمرار القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على مناطق متعددة، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى، بينهم نساء وأطفال، في واحدة من أخطر موجات العنف منذ توقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات صحفية اليوم، أن إسرائيل لديها “الحق الكامل في الدفاع عن نفسها”، مشيرًا إلى أن الاتفاقات لوقف النار لن تتأثر، واصفًا حركة حماس بأنها “جزء صغير من صفقة الشرق الأوسط” وأضاف: “سنقضي على حماس إذا لم تتصرف بالشكل اللائق”.
التصعيد الأخير جاء بعد توترات متزايدة خلال الأسابيع الماضية، حيث شهدت الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة تبادلاً محدودًا لإطلاق النار، قبل أن تتحول الأحداث إلى موجة قصف مكثفة، أسفرت عن تدمير منازل وبنى تحتية أساسية، ونزوح عشرات العائلات من منازلهم خوفًا من القصف.
الأعداد والضحايا
أكدت مصادر محلية أن الغارات الإسرائيلية أدت إلى سقوط شهداء في مختلف مناطق القطاع، على النحو التالي: مدينة غزة وشمال القطاع 18 شهيدًا، المنطقة الوسطى 17 شهيدًا، جنوب القطاع 7 شهداء. وأفادت الطواقم الطبية والدفاع المدني أن الأعداد مرشحة للارتفاع نظرًا لوجود عشرات الإصابات الخطيرة، واستمرار عمليات البحث والإنقاذ تحت الأنقاض.
وفي مدينة رفح جنوبي القطاع، شن الطيران الإسرائيلي عدة غارات تزامنت مع إطلاق قذائف من البوارج الحربية الإسرائيلية على الساحل الجنوبي للمدينة، فيما دخلت شاحنات المساعدات الإنسانية عبر محور فيلادلفيا، وسط أجواء متوترة. كما أطلقت طائرات الاحتلال قنابل إنارة في سماء المدينة، في مؤشر على التحضير لمزيد من العمليات العسكرية.
أما في وسط القطاع، فقد تعرضت مناطق دير البلح والنصيرات والزوايدة لقصف عنيف، ما أدى إلى استشهاد 3 مواطنين من عائلة البنا في حي الصبرة جنوبي مدينة غزة، إضافة إلى إصابتين على الأقل في خيمة تؤوي نازحين غرب بلدة الزوايدة، وفقًا لمصادر الدفاع المدني.
تأثير القصف على المدنيين والبنية التحتية
يعيش سكان القطاع حالة من الرعب والضغط النفسي المستمر، حيث أغلقت المدارس والأماكن العامة خوفًا من القصف، واضطر الكثيرون للنزوح إلى مدارس وملاجئ ومراكز مجتمعية. وقالت الحاجة أم خالد من دير البلح: “كل مكان تتساقط فيه القذائف. الأطفال يبكون ونحن عاجزون عن حمايتهم. لم يعد هناك مأمن لنا في بيوتنا”.
كما وثقت مشاهد الدمار في حي الصبرة، حيث تسببت الغارات في انهيار عدة منازل، فيما تكافح فرق الدفاع المدني لإخراج العالقين من تحت الأنقاض. وقال مدير أحد المستشفيات في غزة، الدكتور أنور الحسن، إن “الوضع الصحي في القطاع كارثي، والمستشفيات في حالة ضغط شديد، وسط نقص حاد في المعدات الطبية والأدوية الأساسية”.
يأتي هذا التصعيد بعد فشل محاولات التهدئة التي شهدها القطاع الشهر الماضي، والتي تمت تحت رعاية الأمم المتحدة ودول إقليمية. وأكد المحلل السياسي سامي العلي أن “التصعيد الحالي يعكس فشل الوساطات الدولية في تثبيت تهدئة دائمة، ويعطي رسالة إسرائيلية واضحة لحركة حماس، لكنها في الوقت نفسه تؤدي إلى المزيد من معاناة المدنيين”.
وأضاف العلي أن “الرسائل الأمريكية تمنح إسرائيل ضوءًا أخضر للتحرك العسكري، رغم تأكيد ترامب على عدم المساس باتفاق وقف النار، وهو ما يزيد من الضغوط على الفلسطينيين، ويضعهم أمام مأزق إنساني وسياسي في الوقت نفسه”.
ردود الفعل المحلية والدولية
دعا المجلس التشريعي الفلسطيني إلى انعقاد طارئ لمناقشة تداعيات التصعيد، مؤكدًا على ضرورة الضغط الدولي لإيقاف العمليات العسكرية. وقال النائب محمود العريان: “الغارات الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ويجب على المجتمع الدولي التدخل فورًا لحماية المدنيين”.
وعلى الصعيد الدولي، أعربت عدة بعثات دبلوماسية عن قلقها العميق من التصعيد، ودعت جميع الأطراف لضبط النفس، والعودة إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، كليمانس دوفيه، إن “تصعيد العنف لن يخدم سوى الأطراف المتشددة، ويجب العمل على حماية المدنيين وإيجاد حل سياسي طويل الأمد”.
انعكاسات التصعيد على الحياة اليومية
يواجه سكان غزة صعوبات غير مسبوقة في حياتهم اليومية، مع استمرار الانقطاعات في الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية، وسط الضغط النفسي الكبير بسبب خوف الأطفال من الغارات الليلية. وقالت أم حسن، إحدى سكان النصيرات، إن “أطفالنا لا ينامون إلا ونحن معهم في الغرف الداخلية، لا توجد مأوى آمن لهم”.
كما وثقت فرق الإغاثة مشاهد النزوح الداخلي، حيث تضطر عشرات العائلات إلى الانتقال من مناطق مأهولة بالسكان إلى مناطق أكثر أمانًا، رغم أن هذه المناطق نفسها معرضة للقصف.
التحدي السياسي والإنساني
التصعيد الأخير يضع القيادات الفلسطينية أمام تحديات مزدوجة: مواجهة العدوان الإسرائيلي وحماية المدنيين، مع الحفاظ على مشروعهم السياسي. كما يزيد الضغط على المجتمع الدولي للتدخل الفوري لإنقاذ المدنيين، خصوصًا في ظل استمرار العمليات العسكرية المكثفة.
وأكد المتحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مايكل لينك، أن “الوضع الإنساني في غزة يتدهور بسرعة، والضحايا من المدنيين في ارتفاع مستمر. هناك حاجة عاجلة لمزيد من الدعم الإنساني، ووقف القصف على المناطق السكنية”.
بينما تتواصل الغارات الإسرائيلية، يبقى الوضع الإنساني في غزة في حالة حرجة، مع ارتفاع أعداد الشهداء والجرحى، ونقص حاد في الخدمات الأساسية. وتشير التطورات إلى أن الحلول السياسية العاجلة مطلوبة أكثر من أي وقت مضى، لحماية المدنيين وإيقاف نزيف الدم، في ظل استمرار التصعيد العسكري والتصريحات الأمريكية الداعمة لإسرائيل.










