متابعة/ المدى
في الوقت الذي كانت فيه كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية تصور نفسها رائدة في بناء عالمٍ أفضل بواسطة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، جاءت مساهمتها في حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة طوال عامين لتهدم هذه الصورة، إذ تحولت "أمازون" و"غوغل" و"مايكروسوفت" و"بالانتير" إلى أدوات رئيسية في قتل الفلسطينيين.
وفي تقرير مفصل نُشر نهاية الأسبوع الماضي، سلّطت شبكة السياسات الفلسطينية (الشبكة) الضوء على مشاركة كبرى الشركات في توفير أدوات تعمل بالذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي، مبينةً تواطؤها مع الاحتلال وجرائمه في قطاع غزة.
بدأ استخدام قوات الاحتلال لأنظمة الذكاء الاصطناعي في معركة سيف القدس التي استمرت 11 يوماً في أيار 2021. الحرب التي وصفها جيش الاحتلال لاحقاً بأنها "أول حرب تستخدم الذكاء الاصطناعي" فتحت، بحسب الشبكة، الباب أمام لجوء إسرائيلي متزايد إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، من خلال الحوسبة السحابية والتعلّم الآلي لتخزين كم هائل من بيانات المراقبة وتحليلها، بما في ذلك صور الأقمار الاصطناعية والاتصالات التي يتم اعتراضها. عندما انطلقت حرب الإبادة على غزة في السابع من تشرين الأول 2023، أكدت تقارير متعددة أن قوات الاحتلال تعتمد بشكل شبه كلي على أنظمة آلية مثل "لافندر" و"غوسبل" لتحليل البيانات المجموعة وتحديد الأهداف على أساسها: من ينبغي استهدافه بالقتل؟ وأيّ مبانٍ يجب قصفها؟ وما مقدار الخسائر الجانبية الذي يُعدُّ مقبولاً؟ لكن الأسوأ من ذلك، هو أن هذه الأنظمة تتبنى المنطق الإبادي لمشغليها، إذ يتم تدريبها على اعتبار المدنيين إرهابيين، في انعكاس لموقف إسرائيلي متكرّر مفاده أنه "لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة". سعت إسرائيل إلى "أتمتة الاستهداف القتالي"، عبر تزويد الأنظمة الآلية بقوائم كبيرة لأهداف محتملة، وهو ما أدى إلى زيادة احتمال استهداف مدنيين، وبالتالي ارتفعت "معدلات الخطأ" مع عدم قدرة هذه الأدوات على التفريق فعلاً بين المدني والمقاتل.
وفي حين لفتت الشبكة إلى أن العديد من التفاصيل التقنية المرتبطة بأنظمة الاستهداف المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تظلّ سريّة، إلا أنّ الأكيد أن تشغيلها يعتمد على البنية التحتية السحابية والتعلم الآلي الذي تطوّره وتديره شركات كبرى، أبرزها "غوغل" و"مايكروسوفت" و"بالانتير". ولعل المثال الأبرز على ذلك مشروع نيمبوس، الذي تقدم من خلاله "غوغل" و"أمازون" تقنيات حوسبة سحابية وأدوات تعلم آلي متطورة للحكومة والجيش الإسرائيليين.
مع استمرار حرب الإبادة، عزّزت إسرائيل تعاونها مع شركات التكنولوجية للاستفادة من تقنياتها. بحلول آذار 2024 ارتفع استخدام القوات الإسرائيلية لأدوات "مايكروسوفت" و"أوبن إيه أي" إلى 200 ضعف مقارنة بالأسبوع السابق على السابع من أكتوبر 2023، كما تضاعف حجم البيانات المخزنة على خوادم "مايكروسوفت" إلى 13 بيتابايت. في الشهر نفسه، وقعت "غوغل" عقداً يتيح لوحدات عسكرية إسرائيلية الاستفادة من أنظمة التشغيل الآلي الخاصة بها. فيما زوّدت "أمازون" الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بمزرعة خوادم خاصة، لتخزين بيانات المراقبة التي تجمع عن كلّ سكان غزة. واستضافت الخوادم السحابية الخاصة بشركة مايكروسوفت مكونات من برامج المراقبة الجماعية الخاصة بجيش الاحتلال، حيث خزّنت ملايين المكالمات الهاتفية المعترضة للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، والتي استخدمت لتحديد أهداف للقتل. وعلى الرغم من أن الشركة أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي إيقاف بعض الخدمات السحابية وأدوات الذكاء الاصطناعي، بعد أن استخدمت وحدة تابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية بعض خدماتها في أنشطة مراقبة غير مشروعة، إلّا أنها مستمرة في تنفيذ العديد من العقود والمهام لصالح جيش وحكومة الاحتلال.
بحسب "الشبكة"، فإن التقارب السياسي بين شركات التكنولوجيات وإسرائيل، دافع مهم في التعاون القائم، إلى جانب الربح المادي. إذ عبّرت شركة بالانتير الأميركية المتخصصة في تحليل البيانات وأنظمة المراقبة، عن دعنها صراحة لحرب الإبادة، وتعاونت مع "أمازون" لتطوير أدوات تمكن زبائنها من "الانتصار في ميادي القتال"، وقدّمت تقنيات استخدمت مباشرة في العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل غزة.
بحسب "الشبكة"، لعب استخدام إسرائيل أنظمة الذكاء الاصطناعي في حرب الإبادة على غزة، دوراً في التحول العالمي الحالي نحو تطبيع القتال المدعوم بأدوات الذكاء الاصطناعي، عبر دمجها في الأنظمة المسلحة والقوات العسكرية. وتزامن ذلك مع تخلي شركات الذكاء الاصطناعي عن تعهداتها بعدم تطوير الذكاء الاصطناعي لأغراض قتالية، طمعاً بعقود عسكرية تحقّق أرباحاً طائلة.










