نينوى/ سيزر جارو
يبدو أن سهل نينوى يعيش فصلاً جديداً من فصول الصراع على النفوذ داخل المكوّن الآشوري "المسيحي"، فبكتاب صادر عن رئاسة هيئة الحشد الشعبي، تم فك ارتباط الفوج (14) عن اللواء (50) التابع لزعيم بابليون "المسيحية" في الحشد الشعبي ريان الكلداني، وإعادة أمره السابق العقيد جواد حبيب إلى أمرية الفوج وكذلك دمج الفوج (74) بالفوج (13) المعروف بأسمه الرمزي وحدات حماية سهل نينوى NPU.
الخطوة، التي وُصفت من قبل مراقبين بأنها "ضربة انتخابية وسياسية موجعة” للكلداني، تأتي في لحظة توتر بين الكنيسة الكلدانية من جهة، وحركة بابليون من جهة أخرى، وفي ظل تسابق القوى المسيحية لتثبيت حضورها قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.
من التحرير إلى الصراع على النفوذ
تأسست وحدات حماية سهل نينوى عام 2014 بجهود محلية من أبناء المنطقة، عقب اجتياح تنظيم “داعش” لمدن سهل نينوى. الهدف المعلن كان حماية البلدات المسيحية، إلا أن معادلات ما بعد التحرير أدت إلى إدخال تلك الوحدات في شبكة الحشد الشعبي، حيث تم ربط فوجها الثالث عشر بلواء بابليون الذي يتزعمه الكلداني.
هذا الربط أثار جدلاً منذ البداية، إذ رأى أبناء سهل نينوى فيه خطوة “تسلبهم استقلالهم الأمني” وتحوّل القوات المحلية إلى أداة بيد جهة سياسية محسوبة على أجنحة نافذة في بغداد.
تقرير أصدره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وصف اللواء 50 بأنه “العائق الرئيسي أمام عودة النازحين إلى سهل نينوى”، مشيراً إلى أن عناصره “يسيطرون على الأراضي والممتلكات المسيحية ويفرضون الإتاوات”.
الاحتكاكات الميدانية والاتهامات بالاستغلال السياسي
خلال العامين الماضيين، شهدت بلدات بغديدا وبرطلة وتلكيبا سلسلة حوادث واحتكاكات بين مقاتلين من وحدات حماية سهل نينوى وعناصر من بابليون.
مصادر محلية في برطلة تحدثت لـ)المدى( قائلة إن “أفراد الفوج الثالث عشر تعرّضوا لضغوط مالية وإدارية بعد رفضهم المشاركة في حملات انتخابية لصالح حركة بابليون”.
وأضاف مصدر في حديثه لـ(المدى) – وهو ضابط في الفوج – رفض الكشف عن هويته أن “الولاء السياسي أصبح شرطاً للاستمرار في الخدمة، وهو ما دفع كثيرين إلى التفكير بالانسحاب أو طلب إعادة الانتشار بعيداً عن لواء الكلداني”.
تقرير آخر نشره معهد واشنطن في نيسان الماضي أشار إلى “عمليات تلاعب انتخابي مبكر” في المناطق المسيحية، موضحاً أن عناصر اللواء 50 “أُجبروا على جمع بطاقات ناخبين لصالح مرشحين تابعين لريان الكلداني تحت التهديد بالحسم من الرواتب”.
قرار فك الارتباط: خطوة غير مسبوقة
وقال مصدر في حديث لـ(المدى)، طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن “الفوج قرر أن يكون جزءاً من منظومة أمنية عراقية رسمية، لا جناحاً مسيّساً تابعاً للكلداني أو لأي جهة أخرى”.
القرار، وفق المراقبين، يمثل تحولاً جوهرياً في ميزان القوى داخل سهل نينوى، خصوصاً أن الفوج يضم مئات المقاتلين المحليين من بغديدا وبرطلة وبعشيقة واخرين من اشوريي دهوك وأربيل، وكان يُعد الذراع الميدانية الأهم لريان الكلداني في المنطقة.
ردود الفعل وتداعيات فك الأرتباط
سياسياً، يُنظر إلى هذا الأمر كـ “انتكاسة رمزية” لريان الكلداني الذي يسعى إلى تثبيت نفوذه في المناطق المسيحية قبل انتخابات 2025.
يقول المحلل السياسي عماد سركيس لـ(المدى) إن “فك الأرتباط عن بابليون سيؤثر على قدرة الكلداني على التحكم في المشهد الانتخابي داخل الكوتا المسيحية، لا سيما بعد تصاعد التوتر مع الكنيسة الكلدانية في بغداد”.
ويضيف سركيس أن “القرار يعكس رغبة متزايدة لدى المكوّن المسيحي في استعادة قراره الأمني والسياسي، بعيداً عن أجنحة أو فصائل من خارج المنطقة (يقصد سهل نينوى)”.
في المقابل، يرى الخبير الأمني في نينوى، المقدم المتقاعد سامر متي، في حديثه لـ(المدى) أن “الخطوة تمثل تحوّلاً نوعياً داخل المؤسسة الأمنية المحلية في سهل نينوى، لكنها قد تفتح الباب أمام صدام ميداني إذا لم تُدار بحكمة”.
ويضيف، أن وحدات حماية سهل نينوى لم تُنشأ لتكون أداة سياسية. نحن نحمي أرضنا وقرانا، ولسنا للبيع في موسم الانتخابات.”
سهل نينوى.. الجغرافية العالقة بين الولاء والانتماء
المنطقة التي كانت يوماً رمزاً للتنوع الديني واللغوي، تحولت بعد 2014 إلى ميدان صراع بين قوى متشابكة: فصائل الحشد الشعبي، الأحزاب المسيحية، وإدارة نينوى المحلية.
ويخشى الأهالي أن تتحول المعارك السياسية إلى تكرار لسيناريوهات التهجير السابقة.
تقول المواطنة “هيلين يوخنا” من أهالي بغديدا لـ(المدى): "كلما تغيرت الجهة المسيطرة، ندفع نحن الثمن. نريد من يحمي بيوتنا لا من يرفع شعارات الدفاع عنا ثم ينهب الأرض".
يُجمع مراقبون على أن فك الارتباط بين فوج 13 ولواء 50 سيترك فراغاً أمنياً مؤقتاً، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام إعادة هيكلة الوجود العسكري "المسيحي" ضمن إطار خاص بهم وطني غير حزبي.










