علي حسن الفواز(3-3)الدولة التقليدية..الأوهام غير التقليديةلا يمكن النظر الى صراعات الدولة التقليدية مع الآخرين، إلاّ من خلال دعمها وحمايتها، وأحياناً تجييش الجيوش لفرض هذه الحماية، لان هذه الدولة تعني أشياء كثيرة غير تقليدية، وهو ما حدث في التعاطي مع العديد من الأزمات، خاصة مع الأحداث التي رافقت الحرب العراقية الإيرانية والتي لعبت فيها الدول الغربية وأمريكا دورا بارزا في نتائج هذه الحرب، وفي حماية الدول الخليجية ومعابر إنتاج النفط من أي ضرر يحدث بسبب هذه الحرب، فضلا عن الدور الأمريكي الكبير في إخراج النظام العراقي السابق من الكويت بالقوة المسلحة،
وفرض واقع عسكري على المنطقة بمواجهة أية تهديدات محتملة، أي ان الدول الغربية حولت هذه الدول الى مناطق للاستثمار السريع(الإمارات العربية)والى ترسانات عسكرية ضخمة في السعودية وقطر والبحرين، وهذه الهيمنة العسكرية الواسعة لم تسع الى مسّ النظام السياسي والهوياتي في دول تعيش -رغم مظاهر البذخ فيها- خارج قيم الحداثة بمعناها الثقافي والحقوقي، خاصة ما يتعلق بآليات الحكم والسلطة والحريات والقوانين المدنية. رعب الانظمة الحاكمة في هذه الدول ارتبط أيضاً برعب الهويات الحاكمة، إذ أن هذه الهويات تحولت الى مصدر قمعي للكثير من الهويات المقتولة كمايسميها امين معلوف، والتي أسهمت طوال عقود الى فرض ودعم الكثير من الاتجاهات والصراعات التي تتبنى مرجعيات هذه الهويات، والدفاع عنها، وتخصيص الاموال الطائلة لتعزيز مصادر ارهاب الدول الاخرى وتشجيع الجماعات الارهابية للقيام بالمزيد من العنف ضد الهويات الاخرى وليس ضد الدول! كما حدث وما يزال يحدث في العراق وباكستان ولبنان والبحرين وغيرها. وأحسب ان السياسات الباردة من قبل الغرب وامريكا ازاء حروب هذه الهويات التي تحولت الى ايديولوجيات، والى معسكرات، فضلا عن ان الطبيعة العنفية الطاردة لهذه الهويات هي المسؤولة عن صناعة ما بات يعرف اليوم بـ(الإرهاب العالمي)الذي يقضّ مضاجع دول العلم جميعا.أن استقراء ما يحدث في المشهد العالمي اليوم من صراعات يؤشر موت ظاهرة النظام القديم، وظاهرة موت ما يسمى بـ(الثورة العربية)وظاهرة موت(الطبقة الناجية)التي كانت تراهن عليها قوى معينة لمواجهة تداعيات الصراع الدولي، ولكن هذا الاستقراء بكل محمولاته الرمزية ظل محكوما أيضاً بالعديد من العوامل الدولية الضاغطة والتي تسعى الى فرضية التعامل مع مشهد جديد، ورغم وجود القوة الداخلية للشباب والجماعات التي تبنت مشاريع التغيير والاصلاح وعبر استثمار الاعلام والمعلوماتية ووسائل الاتصال الاجتماعي، إلاّ وجود العامل الدولي ظل فاعلا ومؤثراً في الخفاء والعلن، فالكثير من الانظمة الآيلة للسقوط مثل نظام القذافي ونظام علي عبد الله صالح مازلت بعيدة عن فرضية الضغط الغربي الأمريكي الفاعلة، والمواقف إزاءها مترددة وخجولة، وأحسبها خاضعة لحسابات المصالح أولاً، ولحسابات عدم معرفة طبيعة وهويات القوى الجديدة في هذه الدول، والتي ستمنحها فرصا للبقاء مع تحديدات سياسية وعقوبات لا ترقى للتأثير على اسقاطها سياسيا وعسكريا، وهذه الدول ستتحول الى دول عنف داخلي وخارجي، والى حواضن لهويات قمعية، لانها تدافع عن وجودها وعن هويتها، ومصالحها في الثروات الهائلة من النفط والذي سيعود الى مصادر استهلاكه الرئيسة السابقة، لان هذه الانظمة لا تشرب نفوطها، وانها ستبيعه حتى لو كان المشتري من الشياطين.ان سؤال الهوية في هذا السياق سيكون سؤالا في التعاطي مع تاريخ طويل من الازمات والصراعات، خاصة ذلك الصراع الذي ارتبط بانبثاق دول جديدة، دول تعيش لحظات حريتها، ولحظات تشكلها التاريخي، وهو الذي يضعها الآن أمام السؤال الجديد(من نحن) وهل يمكن ان نكون جزءا من سسيولوجيا الصراعات والحروب والمصالح القديمة، بمافيها المصالح والصراعات المفصلية. أظن ان هذا السؤال سيكون هو المقدمة التي يمكن ان تضع الدولة الجديدة امام معيار انتاج ظاهرتها التي ستدفع باتجاه صناعة النموذج، والتأثير الحيوي على تفكيك المركز القديم، هذا المركز الذي ظل متورطا في تماهيه مع بيئة عربية حاضنة لسرائر مرعبة من الصراعات والموت، والذي يعني التبشير علنا، وتحت ايقاع هذه الثورات والاحتجاجات العاصفة تفجيرا لكل مكنونات اللاوعي الجمعي الطائفي الذي وضع هويته القاتلة بصفتها الهوية التاريخية للدولة السياسية المبادة والتي مازالت للأسف سيوف فرسانها العتاة تقطر دما من اصحاب الهويات المقتولة.ان هذا السؤال الذي سبق وان طرحه صموئيل هنتغتون عام 2004 في كتابه من نحن؟ يقتضي بالضرورة الإجابة بسؤال نقيض! من هم؟ ويمكن ترحيل هذا السؤال الى عقد التاريخ العربي وأزمات صراعاته المرعبة والمرعوبة، فـ(النحن)الطائفية، والـ(النحن) المهيمنة، تفترض تماثلا بـ(الهم)الذي يضع العقل السياسي والعقل الديني امام رغبة في تفكيك هذا التساؤل المضاد، إذ ان السؤال لم يعد سؤالا في التاريخ والثقافة والفقه، بل اصبح سؤالا في الشارع، سؤالا ما يزال يكلّف الجميع الكثير من الدم، والكثير من الموت، والكثير من الجهل والقهر. معطى هذا السؤال يمكن ان يضعنا امام الحاجة الى مقاربة فكرة الدولة، وليس الى الجماعة، او حتى الهوية بمعناها المجرد، لان الدولة تعني المؤسسات والقوانين، وتعني المواطنة، وتعني التشارك، وتعني ايضا التوافر على العوامل المساعدة على طرد النموذج القهري للهوية القاتلة، الهوية العميقة التي مازال البعض يتحضن بها وكأنها الحصن المنيع.ولكن ما يجعل هذا السؤال غائما وبعيدا هو
الهويات العميقة وصناعة الحروب المفتوحة
نشر في: 22 مارس, 2011: 07:22 م