المدى/خاص
تشهد محافظة البصرة تصاعدًا مقلقًا في معدلات الأمراض التنفسية والسرطانية، وسط تحذيرات من تأثير الانبعاثات الغازية الناتجة عن عمليات استخراج النفط.
وبينما يطالب نواب من المحافظة بإدراج بنود بيئية صارمة في جولات التراخيص المقبلة، يحذر مختصون من أن استمرار الوضع الحالي قد يقود إلى “كارثة بيئية وصحية” تمتد آثارها لأجيال قادمة.
أكد النائب عن محافظة البصرة، علي المشكور، اليوم الأحد، أن ارتفاع حالات الإصابة بالأمراض في المحافظة يعود إلى الانبعاثات الغازية الناتجة عن عمليات استخراج النفط، داعيا إلى إدراج فقرة خاصة بالانبعاثات ضمن جولات التراخيص النفطية المقبلة.
وقال المشكور في تصريح تابعته (المدى) إنّ “محافظة البصرة تعاني من تزايد واضح في الأمراض التنفسية والسرطانية نتيجة الانبعاثات الغازية المصاحبة لاستخراج النفط”، مبيناً أن “هذه الظاهرة باتت تهدد حياة المواطنين بشكل مباشر، لا سيما في مناطق قريبة من الحقول النفطية مثل الزبير والقرنة والرميلة”.
وأضاف أن “الحكومة ووزارة النفط مطالبتان بإدراج فقرة خاصة بانبعاثات الغازات في جولات التراخيص المقبلة تلزم الشركات النفطية باتخاذ إجراءات بيئية صارمة للحد من هذه الانبعاثات”، مشددًا على أن “حماية صحة المواطنين يجب أن تكون أولوية لا تقل أهمية عن العوائد الاقتصادية التي تحققها عمليات الإنتاج”.
من جانبه، قال الخبير البيئي سلام محمد في حديث لـ(المدى) إن “الانبعاثات الغازية الناتجة عن حرق الغاز المصاحب تعد من أخطر الملوثات التي تهدد البيئة والصحة العامة في البصرة”، موضحاً أن “غازات مثل ثاني أوكسيد الكبريت وأوكسيدات النيتروجين والجسيمات الدقيقة الناتجة عن الحرق غير المنضبط، تسبب التهابات مزمنة في الجهاز التنفسي وتزيد من احتمالات الإصابة بالسرطان”.
وأشار محمد في حديثه إلى أن “الكارثة لا تقتصر على التلوث الهوائي فحسب، بل تمتد إلى التربة والمياه الجوفية بسبب الترسبات الكيميائية، ما ينعكس على الزراعة وصحة الحيوانات أيضًا”، لافتاً إلى أن “البصرة تعد من أكثر المدن تلوثاً في الشرق الأوسط بحسب مؤشرات بيئية دولية، وهو أمر يتطلب تحركاً عاجلاً من الحكومة والجهات الرقابية”.
وتابع أن “العراق يخسر مليارات الدولارات سنويًا نتيجة حرق الغاز المصاحب بدلاً من استثماره في توليد الطاقة أو تصديره، ما يجعل الحل البيئي حلاً اقتصادياً في الوقت ذاته”، داعياً إلى “تبني خطة وطنية شاملة تتضمن إيقاف الحرق التدريجي خلال السنوات القليلة المقبلة وتفعيل الرقابة البيئية على الشركات العاملة”.
تُعد البصرة، التي تضم أكثر من 70% من احتياطي النفط العراقي، من أكثر المحافظات تعرضاً للتلوث البيئي الناتج عن عمليات الاستخراج وحرق الغاز المصاحب. وتشير تقارير محلية ودولية إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية وأمراض الجهاز التنفسي خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في مناطق قريبة من الحقول النفطية.
وكانت منظمات بيئية دولية قد صنّفت البصرة ضمن المدن الأكثر تلوثاً في العالم عام 2023، محذّرة من أن استمرار حرق الغاز على هذا النطاق سيؤدي إلى تدهور نوعية الهواء وزيادة معدلات الوفيات المبكرة.
وتسعى الحكومة العراقية إلى جذب المزيد من الاستثمارات النفطية عبر جولات التراخيص الجديدة، غير أن ناشطين بيئيين يطالبون بضرورة تضمين تلك العقود التزامات واضحة لحماية البيئة ومحاسبة الشركات المخالفة، بما يضمن التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على صحة الإنسان والبيئة.
ومع غياب الحلول الجذرية حتى الآن، تبقى سماء البصرة محمّلة بدخان الحقول، فيما يتزايد قلق سكانها من أن تتحول محافظتهم الغنية بالنفط إلى بؤرة للأمراض والتلوث البيئي المستدام.










