المدى/خاص
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، تتباين التوقعات بشأن نسب المشاركة الشعبية، بين من يراها فرصة للتغيير وتجديد الدماء داخل البرلمان، ومن يعتقد أن فقدان الثقة بالطبقة السياسية سيبقي نسب الإقبال محدودة رغم الزخم الدعائي واتساع رقعة المنافسة.
وفيما يتحدث نواب عن حراك جماهيري متنامٍ نحو صناديق الاقتراع، يذهب محللون إلى أن المشهد السياسي لم يتغير بالقدر الكافي لاستعادة ثقة المواطن.
توقّع عضو مجلس النواب، محمد عنوز، اليوم الأحد، ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة بشكل ملحوظ مقارنة بالدورات السابقة، مرجحاً بروز وجوه جديدة في المشهد النيابي القادم.
وقال عنوز في تصريح تابعته (المدى) إنّ “تصاعد حدة التنافس الانتخابي وازدياد عدد المرشحين سيسهمان في رفع نسبة الإقبال على التصويت، رغم إعلان بعض التيارات السياسية مقاطعتها للعملية الانتخابية”.
وأضاف أنّ “خيبة الأمل التي خلّفها أداء البرلمان الحالي، الذي وُصف بالفشل، ستكون دافعاً قوياً للناخبين للمشاركة الواسعة رغبةً في التغيير وعدم ترك الساحة للوجوه التقليدية التي حولت العمل النيابي إلى وظيفة”، مشيراً إلى أنّ “المشهد الانتخابي المقبل قد يشهد صعود شخصيات جديدة وكفاءات مهنية، سواء من داخل القوى التقليدية أو من بين التيارات السياسية الناشئة”.
ويرى عنوز أنّ التحدي الأكبر أمام الناخبين سيكون في اختيار ممثلين حقيقيين عن مطالب الشارع، لا منتحلين لصفة الإصلاح أو التغيير، مؤكداً أنّ “الوعي الشعبي ازداد، خصوصاً في المحافظات التي شهدت نسب مقاطعة مرتفعة في الانتخابات الماضية”.
لكنّ هذا التفاؤل لا يلقى إجماعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، إذ يقف المحلل السياسي يوسف محمد بالضد من هذا الطرح، مشككاً بإمكانية تحقيق مشاركة مرتفعة في ظل استمرار الأوضاع الحالية.
وقال محمد في حديث لـ (المدى) إنّ “العوامل التي أدّت إلى عزوف الناخبين في الدورات السابقة ما زالت قائمة، من ضعف الأداء الحكومي إلى غياب المحاسبة واحتكار القوى التقليدية للمشهد السياسي”، مضيفاً أنّ “زيادة عدد المرشحين لا تعني بالضرورة ارتفاع نسبة المشاركة، بل قد تؤدي إلى مزيد من التشتت وفقدان الثقة بنتائج الانتخابات”.
وأشار إلى أنّ “الناخب العراقي بات أكثر إدراكاً بأنّ التغيير الشكلي في الوجوه لا يعني تغيّراً في السياسات، فالكثير من المرشحين الجدد ينتمون عملياً إلى أحزاب تقليدية تسعى لتجميل صورتها عبر واجهات جديدة”.
ويرى محمد أنّ “نسب المشاركة لن تتجاوز 35% على الأكثر، إذا لم تتخذ المفوضية العليا للانتخابات إجراءات ملموسة تعيد الثقة بالعملية الانتخابية، مثل ضمان الشفافية في العدّ والفرز، ومحاسبة المتورطين بشراء الأصوات واستغلال المال السياسي”.
تأتي هذه التقديرات في وقت أعلنت فيه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أنّ عدد المرشحين لانتخابات عام 2025 بلغ 7926 مرشحاً يتنافسون على مقاعد البرلمان البالغة 329 مقعداً. وتشير بيانات المفوضية إلى ارتفاع عدد المرشحين المستقلين والقوائم المحلية مقارنة بانتخابات 2021 التي بلغت فيها نسبة المشاركة نحو 41% فقط.
ويخوض العراق هذه الانتخابات في ظلّ أجواء سياسية محتقنة نتيجة الخلافات بين الكتل البرلمانية حول قانون الانتخابات، والاتهامات المتكررة بتوظيف النفوذ والمال العام في الحملات الدعائية. كما تشهد بعض المحافظات، ولا سيما في الوسط والجنوب، تصاعداً في الدعوات الشعبية للمقاطعة احتجاجاً على تكرار الوجوه ذاتها دون إصلاحات ملموسة.
في المقابل، تراهن بعض القوى الجديدة والمرشحين المستقلين على تحوّل المزاج الانتخابي نحو خيار التغيير، خصوصاً بين فئة الشباب التي تشكل أكثر من 60% من السكان، وسط محاولات لاستثمار خطاب مكافحة الفساد والبحث عن بدائل سياسية خارج الأطر التقليدية.
وبين تفاؤل النواب بدفع شعبي نحو صناديق الاقتراع، وتشاؤم المحللين من إمكانية كسر جدار العزوف، تبقى الانتخابات المقبلة اختباراً حقيقياً لمستقبل العملية الديمقراطية في العراق، ومدى قدرتها على تجديد ثقة المواطنين بالمؤسسات السياسية، أو تكريس قناعةٍ بأن التغيير ما زال مؤجلاً إلى إشعار آخر.










