علي حسين
أكتب بينما خبر اضافة مسحة من الجمال إلى بلاد النيل، من خلال افتتاح المتحف المصري الكبير، وهو الامر الذي اثار موجة من السعادة والفخر لبلاد تنتصر للحضارة وتربط الماضي بالمستقبل.
الخبر يؤكد انه لا بديل عن دخول التاريخ من خلال حب الاوطان، ولا مكان لسياسيين يغلبون الطائفة على الوطن ، باسم الخوف على المذهب والمؤامرة الدولية التي تمنعنا من ان نحجز لنا مكانا في قطار المستقبل.
في بلدان يعتقد القائمون عليها اننا بحاجة الى اعادة ضبط منظومة اخلاق الشعب، بدلاً من اعادة ضبط منظومة المواطنة والعدالة الاجتماعية. وتجد من يروج لخطاب الفشل والخراب: " انتخب السيئ افضل مما يأتي الاسوأ منه" . لا يهم سرقة اموال الدولة ونشر الطائفية وتشجيع المحاصصة، وترسيخ مبدأ “انتخاب جماعتنا”. ولهذا وجدنا في بلاد الرافدين من قرر ان يمنع حفلا غنائيا، ومن صرخ في الفضائيات خوفا من غواية “مهرجان بابل”. الغناء حرام، الفرح ممنوع، اما ملفات الفساد التي تلاحق معظم المسؤولين فهي حلال زلال.
في اليومين الماضيين قدم لنا المصريون نموذجا للمفاخرة بالبلاد، فلم نشاهد او نسمع محللاً سياسيا يطالب بأن يطرد السنة من العراق، ولم يظهر شيخ جامع ليحذر من انتخاب الشيعي، ولم نسمع ان الدولة عجزت عن ان تحتفل بآثارها، فتبني لها اعظم المتاحف.
وطبعا لا اريد أن اذكر اصحاب القرار في حكومة المحاصصة الطائفية ان العراق كان وما يزال متحفا بحاجة الى من يمنحه الاهتمام، بدلا من اللافتات التي شوهت المدن والتي يريد اصحاب النوم تحت قبة البرلمان.
ليس ما هو اهم من التفاخر بحضارة بلدك بين الأمم، لكننا للاسف نعتقد ان العراق "اختراع استعماري" حديث العهد، وان آلاف السنين من الحضارة والكتابة والقوانين والفنون والشواهد التاريخية العظيمة، وسبعة آلاف عام من الحضارة، مجرد كفر والحاد وزندقة.
اتابع الاحتفال بافتتاح المتحف المصري الكبير، واشاهد الفرحة على وجوه ابناء النيل، واسمع الحديث عن ارتفاع معدلات السياحة، وندرك ان المتاحف دائما ما تكون قبلة السياح، وكان بامكان العراق ان يكون الدولة السياحية الكبرى، وهو يرقد على كنوز من التحف والتاريخ والمراقد الدينية.
اليوم تقدم مصر علامة في تاريخ الدفاع عن الحضارة ضد كارهيها من اعداء الثقافة والفنون. وستبقى لنا تلك اللحظة التاريخية عندما وقف رمسيس شامخا ينظر الى ابنائه.
الشعب المصري القادر على التغيير استطاع ان يهرب من نفق التخلف ومتاهة احزاب الاسلام السياسي، ويدرك انها لحظة تاريخية، لان احد اهم ثروات الشعوب الحية هي ثروة الثقافة من شعر ورسم وموسيقى. إلا اننا والحمد لله لا نتذكر حمورابي إلا في مناهج الدراسة، ونسينا آشور بانيبال ومكتبته العظيمة، ومطلوب منا فقط ان نتذكر مكتبة ابراهيم الجعفري.









