المدى/خاص
استجابت الهيئة العامة للمياه الجوفية، اليوم الإثنين، لاستغاثة أهالي قرية البغيلات في قضاء الكميت بمحافظة ميسان نتيجة موجة الجفاف التي تهدد استقرارهم، في خطوة وُصفت بالمهمة لتدارك واحدة من أكثر مناطق المحافظة تضرراً من تراجع الموارد المائية.
وذكر بيان للهيئة تلقته (المدى)، أن “الفرق الحقلية التابعة لفرع ميسان باشرت حملة عاجلة لحفر وتشغيل مجموعة من الآبار لتوفير المياه الجوفية الكافية للأهالي، والمساهمة في منع الهجرة من القرية النائية التي تبعد نحو 100 كيلومتر عن مركز المحافظة”.
وقال مدير فرع ميسان، فاضل قاسم جبار، إن “الفرق أنجزت حفر 22 بئراً خلال الأيام الماضية لتأمين المياه للشرب وإرواء الحيوانات المنزلية وتلبية الاحتياجات اليومية للأهالي”، مضيفاً أن “الهيئة مستمرة في مواجهة تحديات شح المياه الناتجة عن قلة الواردات المائية من دول الجوار، والتغيرات المناخية، وقلة الأمطار الموسمية، ما أدى إلى جفاف متفاوت بين القرى، خصوصاً النائية منها”.
وأشار جبار إلى أن “خطة الطوارئ التي أطلقتها الهيئة في ميسان تتضمن دراسة مستويات المياه الجوفية ومتابعة قابلية التوسع في مناطق العطش الشديد لتقليل الاعتماد على المياه السطحية التي تأثرت بانخفاض مناسيب الأنهر”.
في السياق ذاته، حذر الخبير البيئي همّام عمر من أن “الاعتماد المكثف على المياه الجوفية، رغم ضرورته في حالات الطوارئ، يمثل حلاً مؤقتاً لا يمكن التعويل عليه طويلاً دون وضع خطة متكاملة لإعادة تغذية الخزانات الجوفية ومراقبة نوعية المياه المستخرجة”.
وأوضح عمر في حديثه لـ(المدى) أن “الجفاف الذي يضرب المناطق النائية في ميسان سيترك آثاراً بيئية خطيرة في حال استمر لفترات أطول، من بينها زيادة ملوحة التربة وتراجع الغطاء النباتي وتحوّل الأراضي الزراعية إلى أراضٍ شبه صحراوية”، مبيناً أن “ذلك سينعكس على التنوع الحيوي وعلى نمط المعيشة الريفية القائم على تربية المواشي والزراعة الصغيرة”.
وأضاف أن “حل أزمة الجفاف في المحافظات الجنوبية يتطلب تنسيقاً عالياً بين وزارات الموارد المائية والزراعة والبيئة، إلى جانب اعتماد سياسات استدامة حقيقية تشمل تقنيات الحصاد المائي، وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وتشجيع الزراعة المقاومة للجفاف”، مؤكداً أن “المعالجات الوقتية، رغم أهميتها، لن تمنع موجات نزوح جديدة من القرى الريفية إلى مراكز المدن في حال غياب حلول استراتيجية طويلة الأمد”.
وكانت محافظة ميسان من أكثر المحافظات العراقية تضرراً من أزمة الجفاف خلال السنوات الأخيرة، إذ سجّلت انخفاضاً حاداً في واردات المياه القادمة من نهر دجلة وفروعه، بالتزامن مع استمرار تركيا وإيران في تشغيل السدود على روافد الأنهر التي تغذي المحافظة.
وأشارت تقارير ميدانية سابقة إلى أن قرى عديدة في أقضية المشرح والكميت وعلي الغربي شهدت تراجعاً حاداً في الإنتاج الزراعي ونفوق أعداد من المواشي، ما دفع العديد من العائلات إلى النزوح نحو مدينة العمارة أو إلى محافظات مجاورة بحثاً عن مصادر رزق بديلة.
ويؤكد مختصون أن استمرار موجات الجفاف دون تدخل حكومي واسع سيحوّل مناطق من جنوب العراق إلى بؤر غير صالحة للسكن، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لوقف استنزاف المياه السطحية والجوفية معاً، وضمان توزيع عادل للمياه بين المحافظات المتضررة، خصوصاً تلك التي تشكّل الزراعة والثروة الحيوانية فيها العمود الفقري لاقتصادها المحلي.
بهذا، تبقى قرية البغيلات نموذجاً حياً لمعاناة القرى الميسانية النائية، التي تكافح الجفاف وتتشبث بالأرض رغم شحّ المياه، في انتظار حلول تضمن استدامة الحياة واستقرار السكان بعيداً عن الهجرة القسرية والجفاف المتصاعد.










