حسين عبدالرازقأمضيت يوم السبت الماضي ساعة ونصف الساعة في طابور المصوتين في الاستفتاء على التعديلات الدستورية بمدرسة طلعت حرب للبنات الملاصقة للمقر الرئيس لحزب التجمع، وكنت قد بكرت بالذهاب في العاشرة صباحا لأدلي بصوتي بسرعة وأعود للعمل، ولكني فوجئت بطابور طويل من الرجال وأقل منه قليلا للنساء. ووقف آخرون اتوا في منتصف النهار ثلاث وأربع ساعات في انتظار وصولهم إلى صندوق التصويت.
كانت المدرسة خالية تماما من أي تواجد أمني، ولم يكن هناك من يتدخل لتنظيم وقوف المصوتين وترتيبهم، ومع ذلك التزم الجميع بالترتيب وبالنظام تلقائيا، باستثناء رجل طاعن في السن ظل يتسلل إلى أن استطاع الوقوف في مقدمة الصف قافزا على عشرات من الشباب والشيوخ، وصحفي شاب تسلل هو الآخر ضاربا عرض الحائط باحترام النظام والالتزام بالقيم التي اعادتها ثورة 25 كانون الثاني للحياة، وحالتان ضمن آلاف شاركوا بالتصويت في هذه اللجنة تؤكد الظاهرة.وخلال تبادل الحديث مع الواقفين في هذا الطابور الطويل لفت نظري تأكيد عديدين أنهم يشاركون لأول مرة في حياتهم في الاستفتاءات والانتخابات العامة، وسألت أحدهم وعمره 73 عاما كما أخبرني عن السبب، فأجاب ببساطة لأن كل الانتخابات والاستفتاءات قبل اليوم كانت نتائجها محددة سلفا، وصوتي بالتالي لا تأثير له، أما اليوم فصوتي مسؤولية لأنه سيساهم في تقرير مستقبل مصر سواء قلت لا أم قلت نعم.ووقوع بعض التجاوزات هنا أو هناك، رصدتها منظمات المجتمع المدني التي تولت المراقبة من داخل اللجان، أو بعض المشاكل مثل نقص البطاقات الانتخابية في عدد من اللجان ووجود بطاقات دون ختم وتأخر وصول بعض القضاة (رؤساء اللجان) وتوقف التصويت نتيجة ذلك في عدد من اللجان لمدد تراوحت بين ساعة وساعتين.. لا ينفي حقيقة أن هذه أول عملية انتخابية (استفتاء) تتم في نزاهة وحرية، وتشهد إقبالا غير مسبوق ربما يتجاوز، 70% من الناخبين (أكثر من 45 مليون ناخب)، وتؤكد أن المصريين قد قرروا أن يمسكوا مصيرهم بأيديهم ويتولوا أمورهم بأنفسهم ويمارسوا السياسية بكل أبعادها باعتبارها شأناً يخصهم جميعا. ومع ذلك فقد كانت هناك ظاهرة مثيرة للقلق يتحمل مسؤوليتها «جماعة الإخوان المسلمين» وتيار الإسلام السياسي عامة.فرغم قرار المجلس العسكري بوقف حملات الإعلام والدعاية يومي الجمعة والسبت، فقد حشدت جماعة الإخوان المسلمون (وجماعات سلفية) كوادرها أمام لجان التصويت داعية الناخبين للتصويت بنعم. وقيل - والله أعلم- أنها قامت بدفع أموال للناخبين ليصوتوا بنعم في بعض المواقع!والأخطر انها ارتكبت جريمة استغلال الدين في السياسة والزعم بأن من يقول «لا إثم ويخالف شرع الله، وهي الجريمة المعاقب عليها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات طبقا للمادة 98 (و) من قانون العقوبات.والجماعة مطالبة بمراجعة هذه المواقف ونقدها وادانتها علنا إذا كانت راغبة حقا في أن تكون ضمن التيار الديمقراطي، كما أعلنت في الاجتماع الذي عقدته في مقرها يوم الأربعاء الماضي واستضافت فيه الأحزاب الرئيسية المصرية.وسواء جاءت نتيجة الاستفتاء بنعم أم لا.. فالمجلس العسكري الحاكم مطالب بالجلوس مع الأحزاب والقوي السياسية وائتلافات الشباب للتفاهم حول المرحلة الانتقالية أولوياتها ومدتها وكيفية إدارتها، حتى تستمر الثورة ولا يتم إجهاضها من قوى الثورة المضادة.. ولنتذكر جميعا أن شعار الثورة كان «الشعب يريد اسقاط النظام» وهو ما لم يتحقق بعد.
الاستفتاء.. وما بعده
نشر في: 23 مارس, 2011: 04:55 م