طارق الجبوري جسدت الاحتجاجات الشعبية منذ انطلاقها في تظاهرات عمت ارجاء العراق بما فيها بغداد التي كانت جمعة الغضب في الخامس والعشرين من شباط الماضي بدايتها ، خللاً ظل ملازماً للعملية السياسية منذ وضع لبناتها بشكل مشوه في 2003 ، يتمثل بافتقار الاطراف السياسية المشاركة
الى رؤية واضحة وبرامج عمل ، يمكن ان يكونا قاعدة ارتكاز بناء لهذه العملية المعقدة والشائكة ، بسبب ولادتها على انقاض تراكمات خطيرة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وكان من نتائج هذا الخلل بروز منحنيين خطيرين القيا ظلالهماrnالثقيلة على مجمل الوضع العام في العراق الاول يتعلق بضبابية المنهج الديمقراطي والتباس معالمه، والثاني فقدان مفهوم العدالة الاجتماعية لمعانيه ومضامينه في نفوس المواطنين . فبالنسبة للطريق الديمقراطي ، ورغم اختلاف منابع افكار القوى السياسية المشتركة في العملية السياسية وتبنيها مفاهيم ونظريات مختلفة ومتباينة ، إلا أنه كان من المفترض بها البحث عن القواسم المشتركة لادارة بلد يعاني أزمات متعددة ومتنوعة والاتفاق على الية تضمن بناء مؤسسات الدولة خاصة الاجهزة الامنية على وفق اطر لا تنحرف فيها عن النهج الديمقراطي . وبدلاً من ان تضع هدف بناء العراق الجديد في اولويات اهدافها وتضع خلافاتها الفكرية جانباً ، نراها تتصارع بالسر والعلن ويكيد كل طرف للآخر وبشكل اسهم في تعطيل الكثير من المشاريع وفي مختلف المستويات . ومن رحم هذا الوضع الملتبس تم صياغة الدستور الذي زاد من حدة اختلافات النخب السياسية في كثير من مواده وفقراته بعضها مهمة وحساسة كالمادة 140 ، ومع ذلك فان هذا الدستور ،على ما اشرنا اليه من مواد كانت محل اختلاف في تفسيراتها ، قد وضع ملامح وطبيعة النظام عندما نص في ديباجته بالقول ( نحن شعب العراق الناهض توا من كبوته، والمتطلع بثقة إلى مستقبله من خلال نظامٍ جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي، عَقَد العزم برجاله ونسائه، وشيوخه وشبابه، على احترام قواعد القانون، ونبذ سياسة العدوان، والاهتمام بالمرأة وحقوقها، والشيخ وهمومه، والطفل وشؤونه، وإشاعة ثقافة التنوع، ونزع فتيل الإرهاب. ) اضافة الى ما تضمنه من مواد تكفل الحريات الفردية والسياسية والثقافية وغيرها ، دون ان يتمكن القائمون بالعملية السياسية وفرسانها من ترجمة ما جاء في هذا الدستور الى فعل وبقوا عاجزين عن وضع برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تؤكد ايمانهم الحقيقي والفعلي بضرورات بناء عراق اخر لامكان فيه لثقافات الاقصاء والتهميش ومنع الحريات ، وظلت حالة التخبط ، مع الأسف ، هي السمة السائدة لعمل مجلس النواب والحكومة في كل المراحل وطيلة السنوات الماضية، ما انعكس على ضعف ادائهما. ولم يكن تشخيص اسباب هذا الوضع بمستعص أو يحتاج إلى تنظير وكثير عناء ، بل ان المفارقة الاشد دهشة ان معظم ان لم نقل كل المسؤولين كانوا يصرحون ليل نهار ويعلنون على الملأ ما واجهوه ويواجهونه من اخفاقات سببها المحاصصات وتغليب المصالح الحزبية الضيقة على المصالح العامة . ولم تكن تنفع كل الترقعيات المهلهلة في اصلاح وضع صار خطراً على العملية السياسية بحد ذاتها وعلى مستقبلها ايضاً ، بل صار المواطن يتخوف مما قد تؤول اليه الامور اذا بقيت الاوضاع على ما هي عليه ، فوجد في الاحتجاجات السلمية الوسيلة الانسب ، التي قد تعيد الصحوة لنخب اضاعت فرص كثيرة للوطن والشعب معاً . تظاهرات واحتجاجات لم تكن الاولى حيث شهدت البصرة موجة احتجاجات ضد وزير الكهرباء السابق كريم وحيد في صيف 2010 تلتها موجة غضب ونقمة على سوء الخدمات في عدد من محافظات الفرات الاوسط والجنوب ، غير انها مرت كسحابة صيف او مر الكرام دون ان يتنبه احد من سياسيينا الى امكانية اتساع حجم الاحتجاجات في ظل هذه اللاابالية عند البعض من المسؤولين الذين ابقوا تعاملهم مع ادق الامور واخطرها ، كقضية الفساد والخروقات الامنية ، بعدم مسؤولية . ومرة اخرى واخرى يتقدم الشعب بفطرته النظيفة وغير الملوثة على سياسييه ، ويدرك ان لاحلول ولامعالجات لمشاكله التي لاتتجزأ عن مشاكل الوطن ، في ظل حالة التخبط والفوضى وغلبة الاجتهادات على الخطط وبرامج العمل الوطنية الكفيلة بنقل الطروحات النظرية والشعارات الى واقع معاش وملموس . ومن هنا فان هدف التظاهرات الاكبر التي لخصت بكلمة " كفى صمتاً " يتمثل باهمية رسم خارطة طريق لتصحيح مسار الحكم باتجاه دولة مدنية ديمقراطية لايمكن ان تتحقق اذا لم تعبر في اجراءاتها (عن المصلحة العامة للمواطنين) مع الحذر من اتخاذ هذه المصلحة ذريعة لتحولها إلى دولة استبدادية تمارس استبدادها باسم مصلحة المواطنين ،( و من هنا ظهرت الحاجة إلى خلق توازن ما بين المصلحة العامة التي تمثلها الدولة المدنية و المصلحة الخاصة التي يمثلها حقوق الفرد المواطن ) كما اشارت الى ذلك دراسة بعنوان ( المواطنة حقوق وواجبات ) حررها رئيس مجلس امناء مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الانسان سعيد عبد الحافظ .اما في ما يتعلق بالمنحى الثاني المتعلق بالعدالة ا
ترسيخ قيم الديمقراطية طريقاً لابد منه لتحقيق الإصلاح السياسي
نشر في: 23 مارس, 2011: 04:58 م