محمد علي الحيدري
في المشهد الانتخابي لعام 2025، تتكرر الشعارات وتتبدل الصيغ، لكن جوهر الخطاب يبقى واحدًا: مخاطبة العاطفة بدل الوعي، واستدعاء الخوف بدل البرنامج. الثقافة الانتخابية في العراق ما زالت أسيرة معادلة قديمة، تُخاطب الناخب لا بوصفه شريكًا في القرار، بل متلقيًا لرسائل مطمئنة أو مُخيفة، تَعد أو تُحذّر، دون أن تُقدّم ما يُقاس أو يُحاسَب عليه.
شعار «لا تضيعوها» مثلا يُغلّف التحذير بالمسؤولية. إنه شعار يخاطب الذاكرة أكثر مما يخاطب المستقبل، ويستند إلى فكرة الخسارة لا البناء. في ظاهره دعوة إلى حماية المكتسبات أو المنجزات، لكنه في جوهره يعكس خوفًا من التغيير وإعادة المراجعة. فالمكتسبات التي يُراد الحفاظ عليها غالبًا هي بحسب الرأي العام من نصيب الطبقة الحاكمة، لا المواطن. فحين تتعثر الخدمات، وترتفع البطالة، ويستمر الفساد، يصبح التمسك بما هو قائم خيارًا مريحًا لمن يستفيد منه، لا للمجتمع بأسره.
أما شعار «ما ننطيها»، فهو ينتمي إلى لغة القوة والتمسك والكرامة، لكنه يختزن في بنيته إشكالية عميقة: مَن يملك حتى يُقرر المنح أو المنع؟ الدولة ليست ملكًا لفئة أو جهة، بل عقد عام تُدار بموجبه شؤون الناس وفق الدستور والقانون. حين تُختزل في شعار كهذا، يُعاد إنتاج ثقافة المحاصصة، وتصبح السلطة رمزية أكثر مما هي أداة لإدارة الدولة وخدمة المواطنين.
شعار «عراق قوي» يحمل بريقًا جاذبًا لكنه يعاني من الغموض ذاته الذي لازم الخطاب السياسي لعقود. وهو يحمل في طياته صدى شعارات النظام البعثي السابق، الذي كان يرفع شعارات مماثلة لتسويق القوة والإنجاز دون ربطها بالواقع اليومي للمواطن. القوة، حين تُستخدم دون تحديد، تتحول إلى معنى رمزي فضفاض، يُعبّر عن رغبة جماعية مشروعة دون أن يرتبط بآليات واضحة لتحقيقها. وما لم يُربط الخطاب السياسي بخطط قابلة للقياس، تبقى القوة مجرد شعار جاذب يكرر نفسه مع كل موسم انتخابي.
ما تكشفه هذه الشعارات مجتمعة هو أن السياسة الانتخابية في العراق ما زالت تُدار بعقلية التعبئة لا الإدارة. فبدل أن تُبنى الحملات على البرامج والأرقام والمراجعات، تُبنى على العاطفة والخطاب الرمزي، وكأن المطلوب من الناخب أن يمنح الثقة لمن يُجيد الخطابة، لا لمن يمتلك رؤية واقعية لإدارة الدولة.
المجتمعات لا تنهض بالخوف، ولا تتماسك بالشعارات، بل بالمصارحة والمساءلة. السياسة حين تُختزل في لغة التحشيد تفقد جوهرها بوصفها أداة للتنمية والإصلاح. الحاجة اليوم ليست إلى وعود جديدة، بل إلى وعيٍ انتخابي يميز بين الخطاب الذي يُطمئن والخطاب الذي يُقنع، بين من يطلب الثقة ومن يُقدّم استحقاقها.
اختبار انتخابات 2025 لن يكون في صناديق الاقتراع فحسب، بل في مستوى الوعي الذي يصاحبها. فإما أن يبقى الخطاب السياسي أسير الخوف والرمز، أو يتحول إلى مساحة جديدة تُبنى فيها الثقة على الفعل لا على الشعارات. العراق لا يحتاج إلى من يبيعه الأمل، بل إلى من يُجيد صناعته.










