TOP

جريدة المدى > عام > إيقاعات الماء: هكذا بُنيت أولى المدن السومرية في بلاد ما بين النهرين

إيقاعات الماء: هكذا بُنيت أولى المدن السومرية في بلاد ما بين النهرين

نشر في: 4 نوفمبر, 2025: 12:31 ص

إفريم يازغين
ترجمة: رمزي ناري

يقترح نموذج بيئي جديد نظرية مبتكرة حول كيفية بناء بعض من أولى المدن في تاريخ البشرية. يعرض البحث الذي نُشر في مجلة PLOS One أن بداية النشوء الحضري في بلاد ما بين النهرين القديمة كانت نتيجة للعلاقات الديناميكية بين الأنهار، وحركات المد والجزر، والرواسب في رأس الخليج العربي.

كانت الحضارة السومرية قائمة في جنوب المنطقة المعروفة اليوم باسم بلاد ما بين النهرين، ضمن الحدود الحديثة للعراق. وقد بدأت دويلات المدن السومرية مثل أور، وأوروك، وإريدو، ولكش في الظهور حوالي عام 7500 قبل الميلاد، بينما كانت قد تأسست بحلول عام 5000 قبل الميلاد تقريبًا.
على الرغم من أن بعض "المدن البدائية" مثل أريحا و تشاتالهويوك قد ظهرت في أوقات سابقة، فإن دويلات المدن السومرية تُعتبر مهد الحضارة البشرية نظرًا لتطور الزراعة، والكتابة، والاختراعات مثل العجلة، التي شكلت الأساس الثقافي لهذه المدن.
أما المدن الأولى في وادي السند والأمريكتين، فإن تاريخها يعود إلى حوالي 3000 قبل الميلاد، بينما ظهرت أولى المدن في مصر حوالي 5000 قبل الميلاد. وقد أثارت ظروف تكوّن أولى المراكز الحضرية في سومر اهتمام علماء الآثار والأنثروبولوجيا لفترة طويلة.
كان يُعتقد أن الأرض الخصبة التي وفرتها دلتا نهري دجلة والفرات قد ساعدت في تطور الزراعة واسعة النطاق اللازمة لدعم تجمعات سكانية أكبر وأكثر كثافة. لكن الدراسة الجديدة تشير إلى أن الأمر لم يكن مقتصرًا على خصوبة الأرض فقط. يقول ليفيو جيوسان (Liviu Giosan) ، المؤلف الرئيسي للدراسة، في بيان صحفي: "تُظهر نتائجنا أن سومر بُنيت حرفيًا وثقافيًا على إيقاعات الماء". وجيوسان هو جيولوجي في مؤسسة وودز هول لعلوم المحيطات (Woods Hole Oceanographic Institution) ، وهي منظمة بحثية مستقلة مقرها الولايات المتحدة.
ويضيف: "كانت الأنماط الدورية للمد والجزر، إلى جانب ديناميكيات شكل الدلتا — أي كيف يتغير شكل المشهد الطبيعي بمرور الوقت نتيجة العمليات الديناميكية — منسوجة بعمق في الأساطير، والابتكارات، والحياة اليومية للسومريين".
استخدم الباحثون مزيجًا من صور الآقمار الصناعية، وعينات الحفر لدراسة البيئة القديمة (Paleoenvironment) في جنوب بلاد ما بين النهرين. قبل حوالي 7000 إلى 5000 سنة، عندما كان الخليج العربي يمتد إلى الداخل أكثر مما هو عليه اليوم. وكانت تدفقات المد والجزر تدفع المياه العذبة
بعيدًا إلى الروافد السفلى لنهري دجلة والفرات مرتين يوميًا. في ذلك الوقت، لم يكن دجلة والفرات قد شكلا دلتاهما بعد.
يقول جيوسان وزميله المؤلف المشارك ريد غودمان (Reed Goodman) ، من جامعة كليمسون (Clemson University) في الولايات المتحدة، إن السومريين القدماء ربما تعلموا تسخير هذه الدورة الهيدروليكية (hydrological cycle) باستخدام قنوات قصيرة لري المحاصيل وبساتين النخيل.
وبمجرد أن تكوّنت الدلتا عند رأس الخليج، انقطع تأثير المد والجزر. وكان من شأن ذلك أن يخلق أزمة للسومريين القدماء، وكان عليهم إيجاد حلول للحفاظ على دويلات مدنهم. وقد استجاب القدماء بأعمال واسعة في مجال الري والحماية من الفيضانات، مما أدى إلى ما يُعرف بـ "العصر الذهبي" لسومر، الذي بدأ حوالي 2100 قبل الميلاد.
يقول غودمان: "غالبًا ما نتخيل أن المناظر الطبيعية القديمة كانت ثابتة، لكن دلتا بلاد ما بين النهرين كانت عكس ذلك تمامًا. فقد تطلبت الأرض المضطربة والمتغيرة براعة وتعاونًا، مما أدى إلى ظهور بعض من أولى المزارع المكثفة في التاريخ وألهم تجارب اجتماعية جريئة".
كما أن المياه المتغيرة في بلاد ما بين النهرين القديمة كانت لها تأثيرات اجتماعية وثقافية أيضًا. تقول هولي بيتمان (Holly Pittman) ، مدير مشروع التنقيبات الأثرية في لكش التابع لمتحف بنسلفانيا، وهي ليست من مؤلفي البحث: "تتجلى الاستنتاجات الجذرية لهذه الدراسة جليًّا فيما نكتشفه في لكش. فقد ساهم التغير البيئي السريع في تعزيز عدم المساواة، وترسيخ السياسي، وأيديولوجيات أول مجتمع حضري في العالم".
·إفريم يازغين Evrim Yazgin - صحفي علمي في مجلة COSMOS وهي مجلة علمية تهدف إلى جعل العلم في متناول الجميع. حصل على بكالوريوس في تخصص الفيزياء الرياضية، ودرجة الماجستير في الفيزياء، وكلاهما من جامعة ملبورن في أستراليا. تنشر مقالاته في منصات علمية أخرى. (المترجم).
·الموضوع المترجم من موقع COSMOS MAGAZINE

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram