ترجمة المدى
أعلنت هيئةُ مراقبةِ الجوعِ العالمية (IPC) المدعومةُ من الأمم المتحدة أمس أن المجاعةَ اجتاحت منطقتين جديدتين في السودان الذي تمزقه الحرب، مع تصاعد القتال، مشيرةً إلى أن أكثر من 21 مليون شخص، ما يعادل 45% من السكان، يعانون من مستوياتٍ حادةٍ من انعدامِ الأمن الغذائي، خصوصًا في مدينتَي الفاشر شمال دارفور، وكادوغلي في محافظةِ كردفان الجنوبية.
ووصفت هيئةُ تصنيفِ مراحلِ الأمن الغذائي المتكامل (IPC) الوضعَ في السودان بأنه “كارثةٌ من صنع الإنسان.”
ويُعدّ هذا الإعلانُ هو المرةَ السادسةَ فقط التي يُعلَن فيها عن مجاعةٍ رسميًا منذ تأسيس الهيئة عام 2004، وكان آخرها في أجزاءٍ من غزة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام.
ويشمل الإعلانُ الجديد مدينتَين في السودان: الفاشر في شمال دارفور، وكادوغلي في محافظة كردفان الجنوبية. كما أشار التقريرُ إلى أن عشرين منطقةً أخرى في دارفور وكردفان تواجه خطرَ المجاعة المتزايد.
وقالت لجنةُ مراجعةِ المجاعة (FRC)، وهي الجهةُ المستقلة التي تتحقق من نتائج المجاعة: “إنها أزمةٌ من صنع الإنسان، والخطوات اللازمة لمنع مزيدٍ من الكارثة واضحة. فقط وقفُ إطلاق النار والسماحُ الكاملُ بوصولِ المساعدات الإنسانية يمكن أن يمنعا المزيدَ من التدهور وينقذا الأرواح.”
كلا المدينتَين، الفاشر وكادوغلي، كانتا محاصرتَين منذ أشهر من قبل قوات الدعم السريع المناوئة للحكومة، مما قطع الإمداداتِ من الطعام والماء والأدوية عن مئاتِ الآلاف من المدنيين.
وفي الأسبوع الماضي، سقطت الفاشر بيد مقاتلي الدعم السريع الذين يُعتقد أنهم ارتكبوا مجزرةً راح ضحيتها نحو 2000 شخص، بينما أظهرت صورُ الأقمار الصناعية تجمعاتٍ لجثث القتلى.
وكانت مدينةُ الفاشر قد شهدت حصارًا من قبل قوات الدعم السريع دام 18 شهرًا، ما أدى إلى انقطاعِ الغذاء والإمدادات الأساسية عن عشرات الآلاف من السكان. وفي الأسبوع الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على المدينة، ووردت تقاريرُ عن مجازرَ راح ضحيتها مئات الأشخاص، لكن حجمَ العنف لا يزال غيرَ واضحٍ بسبب ضعفِ الاتصالات.
أما كادوغلي، فهي الأخرى تخضع لحصارٍ مماثلٍ منذ أشهر، حيث يُحاصر عشراتُ الآلاف من المدنيين بينما تحاول قواتُ الدعم السريع انتزاعَ السيطرة على مزيدٍ من الأراضي من الجيش السوداني.
كانت الهيئةُ قد أعلنت في وقتٍ سابق عن وجود المجاعة في خمس مناطقَ سودانية، ثلاثٌ منها في مخيمات لاجئين قرب الفاشر التي أُخليت بعد تقدم قوات الدعم السريع، إذ فرَّ معظم السكان إلى المدينة أو إلى بلداتٍ مجاورة. أما المنطقتان الأخريان فكانتا في جنوب وغرب كردفان، وقد سقطتا مؤخرًا أيضًا بيد قوات الدعم السريع.
وعلى مستوى البلاد، يعاني أكثر من 21 مليون شخص – أي ما يعادل 45% من السكان – من مستوياتٍ حادةٍ من انعدامِ الأمن الغذائي، بسبب القتال والنزوح والانهيار شبه الكامل لإيصال المساعدات الإنسانية.
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدثُ باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، للصحفيين في نيويورك يوم الجمعة، إن هناك تقاريرَ عن “انتهاكاتٍ جسيمة”، بما في ذلك إعداماتٍ ميدانيةً لعددٍ من متطوعي الهلال الأحمر بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة بارا الأسبوع الماضي.
ولا يزال عشراتُ الآلاف من الجوعى واليائسين محاصرين داخل الفاشر، بينما لا يزال مصيرُ الآلاف الذين فرّوا منها دون أن يصلوا إلى طويلة أو بلداتٍ قريبةٍ مجهولًا.
كما أضافت الهيئةُ أن الفيضاناتِ الأخيرة تسببت في نزوحِ أكثر من 120 ألف أسرة في مختلف أنحاء المنطقة. وفي كانون الثاني الماضي، زارت صحيفةُ التليغراف مدينةَ الدلنج – التي كانت آنذاك مركزَ أزمة الجوع في جنوب كردفان – ووجدت عائلاتٍ تعيش على أوراقِ الأشجار والتوت المجفف.
كما تحقق المراسلون من ادعاءاتٍ تفيد بأن قواتَ الجيش السوداني قامت بنهبِ مخازن النفط والمكملات الغذائية الخاصة بالأطفال والنساء الحوامل.
وأشار التقريرُ الجديد إلى أن المجاعةَ من المرجح أن تكون قد سيطرت على تلك المنطقة أيضًا، لكن “نقص الوصول والبيانات” حال دون تصنيفها رسميًا كمجاعة، محذرًا من أن الوضعَ في عموم السودان مرشحٌ للتفاقم قبل أن يتحسن. وذكر أن بلداتِ طويلة وملت وتويشة القريبة من الفاشر تواجه خطرَ المجاعة، مشيرًا إلى أن نحو 375 ألف شخص يعيشون حاليًا في ظروفِ المجاعة في دارفور وكردفان حتى سبتمبر/أيلول الماضي، فيما يواجه 6.3 ملايين شخصٍ آخرين مستوياتٍ قصوى من الجوع في أنحاء السودان.
وتوقعت الهيئةُ أن يتصاعدَ القتال مع بدء موسم الجفاف، مما يجعل خطوطَ المواجهة في شمال دارفور وكردفان الكبرى “شديدةَ التقلب.”
ومنذ أن استعاد الجيشُ السوداني العاصمةَ الخرطوم في وقتٍ سابق من هذا العام، ركزت قواتُ الدعم السريع عملياتها على إقليم دارفور غربًا، وسعت للسيطرة على كردفان لتأمين خطوطِ الإمداد نحو وسط البلاد.
من جانبٍ آخر، أعلنت المحكمةُ الجنائية الدولية (ICC) يومَ الاثنين أنها فتحت تحقيقًا رسميًا في جرائمَ حربٍ ارتكبتها قواتُ الدعم السريع، واتخذت “خطواتٍ فوريةً للحفاظ على الأدلة وجمعها لاستخدامها في الملاحقات القضائية المستقبلية” بشأن الجرائم في الفاشر بعد سيطرة القوات عليها.
ووصفت المحكمةُ الفظائع بأنها “جزءٌ من نمطٍ أوسع من العنف الذي اجتاح إقليمَ دارفور بأكمله”، مؤكدةً أنها “قد تُشكّل جرائمَ حربٍ وجرائمَ ضد الإنسانية.”
وتشمل الجرائمُ قيد التحقيق: الهجماتِ ذات الطابع العرقي، والعنفَ الجنسيَّ بما في ذلك استخدامَ الاغتصابِ كسلاح، والاختطاف، والهجماتِ العشوائيةَ ضد المدنيين، واستهدافَ المنشآت الطبية.
وفي إفادةٍ سابقةٍ في يونيو/حزيران، قالت نائبةُ المدعي العام للمحكمة، نزهات شميم خان، إن هناك “أسبابًا معقولةً للاعتقاد بأن جرائمَ حربٍ وجرائمَ ضد الإنسانية قد ارتُكبت وما زالت تُرتكب في دارفور.”
في سبتمبر/أيلول الماضي، ذكرت منظمةُ أنقذوا الأطفال (Save the Children) أن الموادَّ الغذائية نفدت تمامًا في كادوغلي، مشيرةً إلى تصاعد القتال هناك. كما أشار التقريرُ إلى أن مدينةَ الدلنج المجاورة تعاني أوضاعًا مماثلة.
ما بدأ كصراعٍ على السلطة بين جنرالين، تحوّل إلى حربٍ أهليةٍ مدمّرةٍ تصفها الأمم المتحدة بأنها “أكبرُ أزمةٍ إنسانيةٍ في العالم.”
منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، تمزق السودانُ بين طرفي الصراع: الجيشِ وقواتِ الدعم السريع. وتشير تقديراتُ الأمم المتحدة إلى مقتلِ أكثرَ من 40 ألف شخص، فيما تؤكد منظماتُ الإغاثة أن الأعدادَ الفعلية قد تكون أعلى بكثير. كما نزح أكثرُ من 14 مليون شخصٍ من منازلهم، وتفشّت الأمراضُ في مختلف أنحاء البلاد.
عن صحفٍ ووكالاتٍ عالمية










