TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لا حياة كريمة لشعبٍ يُعيد انتخابَ مَن استغفلوه!

لا حياة كريمة لشعبٍ يُعيد انتخابَ مَن استغفلوه!

نشر في: 5 نوفمبر, 2025: 12:02 ص

د. كاظم المقدادي

في 11/11/2025 يشهد العراق انتخاب أعضاء مجلس النواب للدورة النيابية السادسة. ويشهد ظاهرة إنفاقٍ باذخٍ بالمليارات على الحملات الانتخابية لمرشحي الأحزاب السياسية المهيمنة على سدة الحكم وحرسها القديم. بينما ما تزال غالبية الناخبين إلى اليوم لم تحسم قرارها: المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات، وإذا شاركت فلِمَن تصوّت.
القرار بالنسبة للموالين لأحزاب الطغمة الحاكمة والمنتفعين من "بركاتها" متخذٌ ومعروف منذ فترة طويلة، لكونها رفعتهم من شحّاذين وحفاة إلى مليونيرية. لكنه غير معروف بالنسبة لغالبية الشعب العراقي المتضررة من هيمنة أحزاب الفساد والمحاصصة الطائفية والإثنية وتقاسم المغانم التي أفقرتها وأذلّتها.
فلا نعلم إلى متى تبقى هذه الملايين مترددة ولم تراجع مواقفها السابقة تجاه المنظومة السلطوية التي أنتجتها الدورات النيابية الخمس المنصرمة، والتي وُصِفت الأخيرة المنتهية بأنها "أسوأ دورة انتخابية"، ووُصف مجلس النواب بأنه "أكبر مجموعة لصوص".
المطلوب الاختيار بين أربعة مواقف:
• الأول، وهو سلبي: مقاطعة المشاركة في الانتخابات، مع أن المقاطعة السابقة بلغت 80% من الناخبين، لكنها لم تردع الفاسدين، واستمرت هيمنتهم على مقاليد السلطة، ولم تتحسن أوضاع غير الموالين للسلطة.
• الثاني، وهو سلبي أيضًا: مواصلة اللامبالاة و"ما عليه!"، والذي أوحى بأن أصحابه راضون بحالتهم وحالة أسرهم المزرية والمهينة، ولا يريدون لها الحياة الكريمة والمستقبل الأفضل. وهؤلاء غشمةٌ وسُذّج.
• الثالث، وهو مشين: بيع الأصوات للفاسدين لقاء مبلغٍ بخس، فساهم من قام بذلك، بوعيٍ أو بغير وعي، بتحويل أصوات عائلته الانتخابية سلعةً تُباع وتُشترى ووسيلةً مهينة، ويكون قد استبدل الفساد الإداري بفسادٍ شعبيٍّ مقنَّع، ساهم بتعزيز مواقع الفاسدين.
في هذا المضمار، قال نيلسون مانديلا – السياسي والثوري المخضرم الجنوب أفريقي – قولًا مأثورًا:
"الفساد لا يُفرغ جيوب المواطنين فقط، بل يسرق الإيمان بالغد ويقتل أحلام الناس بالعدالة والكرامة".
واعتبر الصحفي والروائي البريطاني جورج أورويل:
"إن الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين واللصوص والمحتالين والخونة، لا يُعتبر ضحية، بل هو شعب متواطئ وشريك في الجريمة".
وأوضح السياسي العراقي جورج منصور:
"إن الشعب الذي يختار الفاسدين، أو يتغاضى عنهم، أو يبرر لهم باسم العشيرة أو المذهب أو المصلحة الشخصية، إنما يوقّع بيده على استمرار الخراب. فالسياسي الفاسد لا يأتي من فراغ، بل يصعد على أكتاف أصواتٍ منقوصة الشرعية، ووعودٍ زائفة اشتراها بثمنٍ بخسٍ من وعيٍ مغيّبٍ أو جوعٍ مزمن".
أمام ملايين العراقيين المتضررين من موبقات المنظومة السلطوية الفاسدة فرصةٌ أخيرة ليتخذوا الموقف الإيجابي والصحيح – الرابع – وهو المشاركة الواسعة في الانتخابات، والتحلي بجرأة وشجاعة وبسالة العراقيين الأصلاء الذين لم يسكتوا على ضيمٍ وجور، ولم يفرّطوا بحقوقهم المشروعة، فيرفضوا التصويت لمرشحي الحرس القديم للمنظومة السلطوية الفاسدة، وبذلك يحاسبون ويعاقبون من خدعهم وكذب عليهم طيلة عقدين من الزمن، وأوصلهم إلى حالة المعاناة المريرة من الفقر والعوز والحرمان والمرض والقلق المستديم والإهمال والإذلال، وقتل طموحاتهم المشروعة.
على جميع المتضررين من منظومة الفساد أن يعلنوا صوتهم بوجهها الكالح: كفى خداعًا! كفى استغفالًا! كفى كذبًا ووعودًا معسولة! ولن نثق بمن أوصلنا إلى أتعس الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية والثقافية، وجاؤوا بالأساس "لتفليش البلد، لا لإعماره" (المشهداني)، و"أخذنا السلطة ولن نعطيها" (المالكي)، و"لا تضيعوها!" (الحكيم)، و"جئنا للإعمار والتنمية، وللعراق أولًا" (السوداني).
واعلموا: حتى أبسط المواطنين لا يصدقون الوعود بـ"مشاريع" الإعمار والتنمية، وخزينة الدولة مصفَّرة، ومديونية بأكثر من 130 مليار دولار خارجية و80 مليار دولار داخلية نتيجة نهبها.
والجميع شهود على كيف أصبح الفاسدون مليارديريةً على حساب الغالبية العظمى من الشعب، وتحويل العراق الغني بثرواته إلى دولةٍ تستجدي المعونات، بينما عائداتها من النفط وحده تصل إلى 115 مليار دولار سنويًا. ويمتلك العراق ثروةً من الغاز والكبريت وبقية المعادن.
واليوم يعيش أكثر من ربع العراقيين تحت خط الفقر، وسبعة ملايين في العشوائيات وبيوت الصفيح. وثمّة خمسة ملايين امرأةٍ أرملةٍ وستة ملايين يتيمٍ وستة ملايين نازحٍ وخمسة ملايين مهاجرٍ مغترب. وتقف السلطة منذ عقدين متفرجةً أمام تفاقم محنة الأمومة والطفولة.
ويعاني أكثر من ثلث مجموع أطفال العراق من سوء التغذية، ويموت منهم عشرات الآلاف، وكأنّه لم يكفهم السرطان والتشوّهات الخلقية والعلل العضال الأخرى غير القابلة للعلاج. وتكذب وزارة الصحة بكل وقاحة بأن معدلات الإصابة بهذه الأمراض الخطيرة هي ضمن "الحدود الطبيعية" و"أفضل من الدول الأوروبية" (كذا!!!)، للتغطية على ما فعلته مافياتها من خرابٍ ودمارٍ في المؤسسات الصحية، وأوصلت الوضع الصحي إلى مستوى الانحطاط، بعد أن كان العراق يتمتع بأفضل رعايةٍ صحيةٍ في الشرق الأوسط.
ويطول الحديث عن البطالة التي تجاوزت معدلاتها 30%، وبلغت وسط العراقيات 69%، بينما كان العراق يمتلك 67 ألف مصنعٍ ومعملٍ وملايين الدونمات من الأراضي الصالحة للزراعة، كلها تدمرت.
وبينما يبحث عشرات الآلاف من العراقيين والعراقيات عمّا يسد رمق جوع أطفالهم في المزابل والنفايات، انظروا كم من الرواتب الشهرية يستلمها جلاوزة المنظومة السلطوية الفاسدة: يستلم 56 شخصًا 13 راتبًا شهريًا لكل واحدٍ منهم، و187 شخصًا 12 راتبًا، و316 شخصًا 11 راتبًا، و715 شخصًا 10 رواتب، و1207 أشخاص 9 رواتب، و2287 شخصًا 8 رواتب، و3651 شخصًا 7 رواتب لكل واحدٍ منهم.
وفيما تعجز الحكومة عن دفع رواتب المتقاعدين والموظفين العراقيين لأشهرٍ عديدة، ناهيكم عن مساعدة العوائل الفقيرة والكسبة والتخفيف من معاناتهم، تدفع السلطة المليارات شهريًا للرفحاويين المزوّرين الذين ضاعفوا عددهم من قرابة 5 آلاف إلى أكثر من 120 ألفًا، والراتب الواحد 15-20 مليون دينار شهريًا. وعدا هذا تدفع مليارات الدنانير شهريًا لأكثر من 200 ألفٍ من الفضائيين التابعين للأحزاب المتنفذة.
وبينما يتقاضى غالبية المتقاعدين 400 ألف – مليون دينار شهريًا بعد خدمةٍ لا تقل عن 30 سنة، تمنح الحكومة النائب راتبًا تقاعديًا بالملايين، و100 مليون لنهاية خدمته، عدا ما تنفقه على امتيازاته وحمايته.
ولعلكم علمتم بأن رئيس حكومة القتلة السفّاح عادل عبد المهدي، المسؤول عن مجازر تشرين، استلم 3 مليارات و200 مليون دينار عراقي نهايةَ خدمةٍ كرئيس وزراء. وكان يستلم قبل أن يصير رئيس وزراء راتبًا مليون دولار شهريًا – أعلنها بنفسه في برنامجٍ تلفزيوني موجودٍ على الإنترنت.
ويطول الحديث عن نفقات السلطة، ومنها مئات آلاف المليارات (تريليونات) كرواتب ومخصصات وامتيازات للرئاسات الثلاث، وللوزراء والوكلاء وذوي الدرجات الخاصة والحمايات، ولم يقدموا خدمةً واحدة للشعب والوطن.
وذات الشيء ينطبق على مجلس النواب الذي يكلّف الدولة آلاف المليارات، تعادل ميزانيات عدة دولٍ نامية، ولم يقدم خدمةً واحدة لصالح الشعب. ومن "منجزاتهم": عدم إقرار قانون الخدمة المدنية، ولا سلم الرواتب، وتمّ دفعهما إلى الدورة القادمة. وزيادة الضرائب. وزيادة الأجور في المستشفيات: الباص من 5 آلاف إلى 15 ألف دينار، وزيارة المريض بـ7 آلاف دينار، وفحص الدم للزواج من 25 ألف دينار إلى 75 ألف دينار، وزيادة أجور اعتراضات الطلبة، وعدم تسليم الطالب الجامعي النتيجة إلا بعد دفع مبلغ 66 ألف دينار.
أما آن الأوان لتدرك غالبية العراقيين البالغين أنهم قادرون، لو أرادوا وعملوا بإرادةٍ وضميرٍ حيٍّ وشعورٍ عالٍ بالمسؤولية الوطنية، على إحداث التغيير الشامل للعملية السياسية الفاشلة وللحالة الاقتصادية–الاجتماعية المزرية، عبر المشاركة الواسعة بالانتخابات القادمة، وانتخاب مرشحي قوائم جديدةٍ معروفين ومشهودٍ لهم بالكفاءة والحرص والنزاهة وأصحاب الأيادي البيضاء والنظيفة، ولديهم برامج مدروسةٌ وقابلةٌ للتحقيق، هدفها الأساس التغيير الجذري الذي يُنهي منظومة المحاصصة الطائفية والإثنية، ومكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، واسترجاع المليارات المنهوبة، وبناء اقتصادٍ وطنيٍّ منتجٍ لصالح الشعب والوطن، من خلال إعادة الحياة للصناعة والزراعة والتجارة والسياحة، والقضاء على البطالة، ومعالجة بقية المشاكل الاقتصادية–الاجتماعية الساخنة، وإعادة توزيع الثروة لتحقيق قدرٍ مناسبٍ من العدالة الاجتماعية، وبالتالي بناء الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، دولة المؤسسات وسيادة القانون على الجميع دون استثناء.
مثل هؤلاء المرشحين تجدونهم في القوائم الجديدة التالية: "تحالف البديل"، "التحالف المدني الديمقراطي"، و"تحالف الفاو–زاخو".
واعلموا أن بقاء الطغمة الحاكمة الفاسدة لأربع سنواتٍ أخرى لن يجلب لكم سوى المزيد من الكوارث والفواجع والمعاناة، والدليل أن أحد المعممين من أبواق السلطة دعا بكل وقاحةٍ إلى "انتخاب السيئ كي لا يأتي الأسوأ منه". وهو إقرارٌ واضحٌ وصريحٌ بأنهم سيئون، وسيبقون الحال على ما هو عليه دون أي تغيير. مثلما هو "خطاب مرتزقةٍ جعلوا الدين وسيلةً للحصول على المغانم وفتح أبواب السلطة لهم بما فيها من امتيازاتٍ ومنافع" (نغم أزهار). ويؤكد د. علي القيسي:
"قلّبت صفحات التاريخ حتى آخر سطر، نبشت في عصور الانحطاط، فترات الاحتلال، مراحل الذل. رأيت من باع، من خان، من ركع! لكني لم أقرأ يومًا عن جماعةٍ تشبه هؤلاء!.. تركيبةٌ فريدةٌ من الذل الطوعي والانتماء القهري! كائناتٌ تتغذى على انبطاحها وتتلذذ بخضوعها.. نمطٌ بشريٌّ ملوثٌ وصنفٌ نادرٌ ومزيجٌ حصريٌّ من العمالة والانتماء المريض وازدراء الذات! بلا خجلٍ، بلا قناعٍ، بلا مراوغة.. وبالعلن! مخلوقاتٌ هجينة، أنصاف بشر! نصفهم حقدٌ ونصفهم خرافةٌ وكلهم انفصالٌ عن الوطن!".
القرار الأخير لكم، وقد أُعذر من أنذر!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram