TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > «نزع سلاح الفصائل» يُؤجَّل إلى الحكومة القادمة: يتطلّب تفكيك 16 قاعدة عسكرية

«نزع سلاح الفصائل» يُؤجَّل إلى الحكومة القادمة: يتطلّب تفكيك 16 قاعدة عسكرية

السوداني يلمّح: حلّ ملف الجماعات المسلحة مرهون بولاية ثانية

نشر في: 5 نوفمبر, 2025: 12:12 ص

بغداد/ تميم الحسن

يحاول رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في أيامه الأخيرة بالحكومة، توجيه رسائل مزدوجة بشأن ملف "تفكيك سلاح الفصائل"، فيما يبدو وكأن القرار الأميركي قد حُسم، ولا مفرّ من تنفيذه، وفقاً لترجيحات محللين.
وفي أحدث تصريحٍ له، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إنّ العراق تعهّد بوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة، غير أنّ ذلك لن يتحقق ما دام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة موجوداً في البلاد، إذْ تعتبره بعضُ الفصائلِ العراقيةِ "قوةَ احتلالٍ".
وأضاف في مقابلةٍ مع وكالة رويترز أنّ "هناك برنامجاً واضحاً لإنهاء أيّ سلاحٍ خارج مؤسسات الدولة، فهذا هو مطلب الجميع"، مشيراً إلى أنّ الفصائل قد تُدمَج ضمن القوات الأمنية الرسمية أو في المشهد السياسي بعد تخلّيها عن السلاح.
وكانت الحكومة قد أعلنت مطلع عام 2025 عن إطلاق حوارٍ لم تُعرف نتائجه حتى الآن، يهدف إلى تحويل الجماعات المسلحة نحو العمل السياسي. وقدّرت بغداد حينها أنّ "3 أو 4 مجموعات فقط" هي المتبقية، وتعمل الحكومة على دمجها، غير أنّ تلك الجماعات رفضت لاحقاً هذا الطرح في بياناتٍ وتصريحاتٍ.
تصريح السوداني.. حسابات الولاية الثانية واسترضاء الفصائل
ويرى إحسان الشمّري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، أنّ تصريح السوداني الأخير بشأن تفكيك سلاح الفصائل يبدو يحمل في طيّاته حسابات سياسية داخلية أكثر ممّا هو تماهٍ مع ضغوط دولية أو إرضاء لواشنطن.
ويضيف لـ(المدى): "السوداني، الذي يطمح للحصول على ولاية ثانية، يدرك جيّداً أنّه سيكون مضطرًّا للعودة إلى الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة التي تُعدّ ركيزة أساسية في هذا التحالف بعد إعلان نتائج الانتخابات المقبلة".
ومن هذا المنطلق، يؤكد الشمّري: "جاءت تصريحاته محاولةً للتماهي مع موقف الفصائل، التي أعلنت صراحةً أنّ ملف السلاح لن يكون مطروحاً ضمن أيّ اتفاق سياسي، وأنّها لن تسلّمه تحت أيّ ظرف".
وفي الوقت نفسه، يحاول السوداني، بحسب ما يقوله أستاذ السياسة في جامعة بغداد، أن يبدو "غير خاضعٍ للاشتراطات الأميركية التي طرحها وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو في اتصاله الهاتفي الأخير معه، أو حتى البنود العامة التي تضمنتها خريطة الطريق التي أعلنها مبعوث واشنطن إلى بغداد، مارك سافايا".
كما أنّ هذا الخطاب، بحسب الشمّري، وهو يرأس أيضاً مركز التفكير السياسي، يحمل "رسالةً مزدوجةً إلى واشنطن وطهران"، فهو يريد أن يُظهرَ نفسه كرجلِ "توازنٍ وتوافقٍ"، قادرٍ على المناورة بين "رغبة الولايات المتحدة في بقاء نفوذها داخل العراق، وبين إصرار الفصائل وإيران على منع ذلك".
ويتابع الشمّري: "يُلاحظ أنّ السوداني يربط قضية سلاح الفصائل بالتواجد الأميركي في البلاد أكثر ممّا يربطها بالحاجة العراقية الداخلية، إذ يريد القول إنّ دمج الفصائل قد يتحقق بعد انسحاب القوات الأميركية، لكنّ القرار في نهاية المطاف مرهون بواشنطن أكثر ممّا هو بيد حكومته".
ويجد الشمّري أنّ توقيتَ التصريحِ فقدَ أثرَهُ السياسيَّ، مع اقتراب انتهاء عمر الحكومة الحالية وتحولها إلى "حكومة تصريف أعمال"، ما يجعل تنفيذ قراراتٍ استراتيجيةٍ كـ"نزعِ السلاحِ" أو "تنظيمِ الوجودِ الأميركيِّ" أمراً خارج صلاحيات السوداني الفعلية.
من جانبٍ آخر، يضع السوداني في حساباته، والكلام ما زال للشمّري، "الموقف الإيراني"، إذْ لا تزالُ طهرانُ قلقةً من احتمالاتِ استهدافِها، وتعوّل على "سلاحِ الفصائلِ كورقةِ ضغطٍ أمنيةٍ"، وبالتالي، يبدو أنّ تصريحات السوداني تمثّل أيضاً "استدارةً نحو طهران"، ومحاولةً لإعادة التموضع استعداداً للتعامل مع المرحلة المقبلة التي قد تشهد إعادة رسم التوازنات داخل العراق.
وتنشغل الفصائل البارزة، مثل "كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء"، بالتحضير للانتخابات المقررة الأسبوع المقبل، بعدما بدا أنّها أرجأت نشاطها "المقاوم"، كما تسميه، مؤقتاً لصالح العمل السياسي. وينسحب هذا التحول أيضاً على نحو 18 كياناً سياسياً تمتلك أجنحةً مسلّحة وتشارك في السباق الانتخابي المقبل.
ومنذ أكثر من عام، حافظت تلك الجماعات على "هدنةٍ غير معلنةٍ" مع الولايات المتحدة، تخللتها خطواتٌ لافتة، أبرزها إطلاق سراح الباحثة إليزابيث تسوركوف، التي كانت تصفها الفصائل بأنّها "جاسوسة إسرائيلية"، وذلك من دون أيّ مقابلٍ يُذكر.
وتزامنت هذه التحركات مع تصعيدٍ أميركيٍّ جديدٍ ضد فصائل عراقية، شمل فرض عقوباتٍ على كياناتٍ وشخصياتٍ مرتبطةٍ بها، في إطار ما تصفه واشنطن بأنّه جهودٌ لتقويض نفوذ الجماعات المسلحة داخل العراق وخارجه.
نزع سلاح الفصائل.. مؤجَّل إلى الحكومة المقبلة
بموازاة ذلك، يرى غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، أنّ رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يبدو أنّه علّق ملف نزع سلاح الفصائل المسلحة على "الحكومة المقبلة"، في ظل القيود الزمنية والدستورية التي تواجه حكومته الحالية، والتي باتت بحكم الواقع حكومة تصريف أعمال.
ويضيف لـ(المدى): "اتخاذ قرارٍ حاسمٍ في هذا الملف قد يقود إلى مواجهاتٍ مباشرةٍ بين الدولة والجماعات المسلحة التي ما تزال ترفض التخلي عن سلاحها، بل وتربط ذلك – وفقاً لخطابها العقائدي – بظهور الإمام المهدي".
ويُعدّ ملف نزع سلاح الفصائل من أكثر القضايا تعقيداً في المشهد العراقي، بحسب الدبلوماسي السابق، لارتباطه بعوامل داخلية وإقليمية متشابكة. ولفت فيصل إلى أنّ "واشنطن تصرّ على توحيد القرارين العسكري والسياسي داخل الدولة العراقية، وترفض استمرار وجود مراكز قوى موازية تتخذ قرارات الحرب والسلم استناداً إلى الاستراتيجية الإيرانية وتحالفاتها"، ولا سيّما ارتباط بعض تلك الفصائل بـ"الحرس الثوري" و"فيلق القدس"، الذراع الخارجية للعمليات السرية والعسكرية الخاضعة مباشرةً للمرشد الإيراني علي خامنئي.
ويشير فيصل، وهو يرأس كذلك المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أنّ "القرار الأميركي بحسم هذا الملف لا يعبأ بمواقف الفصائل المسلحة أو ردود أفعالها، إذ ترى واشنطن أنّ التعدد في مراكز القرار داخل العراق يمثل تهديداً مباشراً لاستقرار البلاد وللوجود الأميركي فيه". وبذلك، فإنّ الحسم – وفق تلك القراءة – إمّا أن يتمّ من خلال مواجهةٍ عسكريةٍ واسعة، أو عبر الحكومة العراقية المقبلة إذا ما امتلكت الإرادة والقدرة على معالجة القضية، وفق ما يقوله فيصل.
ويعوّل رئيسُ المركزِ العراقيِّ على استمرارِ دعمِ مرجعيةِ النجفِ لمطلبِ حصرِ السلاحِ بيدِ الدولةِ، معتبراً ذلك من الأدوات الدافعة نحو تسليمِ الفصائلِ أسلحتَها والانخراطِ في مؤسساتِ الدولةِ المدنيةِ والعسكريةِ، بما ينسجم مع توجهات الحكومة والبرلمان المقبلين.
كما يُتوقَّع فيصل أن تلعب الحكومة الجديدة القادمة دوراً دبلوماسياً محورياً في الانفتاح على طهران لمعالجة الملف، كون إيران تمتلك "مفاتيح القرار داخل الفصائل"، سواء من حيث طبيعة تسليحها أو قواعد انتشارها المقدّرة بنحو 16 قاعدة تضمّ مصانعَ صواريخٍ ومسيراتٍ ومراكزَ تدريبٍ ودعماً لوجستياً واستخبارياً.
ويرى فيصل أنّ تطورات الإقليم تشير إلى تراجع مبررات وجود الفصائل المسلحة، في ظل التحولات السياسية الجارية في لبنان وسوريا، وتراجع قدرات الحوثيين في اليمن، ما يجعل استمرار تلك الفصائل في العراق بلا مبررٍ واضحٍ، بعد انحسار التهديدات الداخلية وغياب التنظيمات الإرهابية الكبرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram