متابعة/ المدى
تشهد الساحة السياسية العراقية قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2025 حالة من الحراك المتصاعد والتنافس الحاد داخل المكون الشيعي، في ظل غياب التيار الصدري عن المشهد، وبروز ائتلافين رئيسيين يتصدران السباق الانتخابي: ائتلاف التنمية والإعمار بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي.
يأتي هذا التنافس امتداداً لتداعيات الأزمة السياسية التي أعقبت انتخابات 2021 وما رافقها من انقسام داخل البيت الشيعي بين مشروع “الأغلبية الوطنية” الذي تبنّاه الصدر، ومبدأ “التوافق الشيعي” الذي تمسّك به الإطار التنسيقي.
ومع دخول العراق مرحلة جديدة تتداخل فيها الحسابات الداخلية بالتأثيرات الإقليمية والدولية، تتجه الأنظار إلى نتائج هذا الاستحقاق المرتقب الذي سيحدد ملامح السلطة المقبلة، ويكشف حجم التحولات في موازين القوى داخل المشهد السياسي العراقي.
ويرى الباحث في الشأن السياسي إحسان الشمري أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني “سيأكل من جرف قوى الإطار” في الانتخابات المقبلة، مشيراً إلى أن “خطواته الأخيرة أثارت غضب الإطاريين بما لا يقبل الشك، لأنه سينافسهم على المقاعد البرلمانية الشيعية”.
ويضيف الشمري أن التحركات الأخيرة للسوداني، إلى جانب تشكيله لتحالفٍ انتخابي جديد، تعكس رغبته في “المضي بمسار جديد في إطار المشهد السياسي، بعيداً عن بيئته السياسية المتمثلة بالإطار التنسيقي، خصوصاً وهو يعتقد أن تشكيل هذه الكتلة سيتيح له في الأساس رمزية وثقلاً سياسياً أكبر بكثير من موقعه الحالي”.
وشكّل السوداني ائتلافاً سياسياً جديداً لخوض الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، حمل اسم “ائتلاف التنمية والإعمار”، ساعياً من خلاله إلى بناء تحالف عابر للولاءات الحزبية، بحسب تصريح عضو ائتلاف التنمية والإعمار ضياء الزيدي الذي أشار إلى أن “سياسة الإعمار والتنمية هي عراق موحد ولا تتضمن الهويات الطائفية”.
وبينما يسعى السوداني للحصول على حصة الأسد من المقاعد الشيعية، في ظل غياب اللاعب الشيعي الأقوى مقتدى الصدر، يواجه الإطار التنسيقي تبايناً في مواقف أطرافه، ولم يعد كتلة واحدة متماسكة، إذ يخوض الانتخابات المقبلة من خلال نحو 12 حزباً وتحالفاً شيعياً وفق حساباته الخاصة.
والأحزاب والكتل الشيعية التي تخوض الانتخابات البرلمانية 2025 وكانت ضمن الإطار التنسيقي هي: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف قوى الدولة الوطنية بزعامة عمار الحكيم، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة همام حمودي، وكتلة صادقون الجناح السياسي لعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي، ومنظمة بدر بزعامة هادي العامري، وحركة سومريون بزعامة وزير العمل أحمد الأسدي، وتحالف العمق الوطني، وائتلاف الأساس العراقي، وحركة حقوق، وتحالف الخدمات، وحركة دعم الدولة.
ويقول عضو ائتلاف دولة القانون فاضل موّات إن خوض التحالف للانتخابات عبر أكثر من قائمة انتخابية قرار اتُّفق عليه داخل التحالف “كجزء من التكتيك الانتخابي” لضمان تقاسم الأصوات بشكل أفضل، خاصة أن قانون الانتخابات جعل كل محافظة دائرة واحدة.
من جهته، يرجّح الباحث السياسي علي أحمد لجوء قوى الإطار إلى دخول الانتخابات من خلال عدة تحالفات، بسبب خلافات قياداتها على تسلسل مواقعها في رأس قوائم التحالفات وحصتها من المرشحين، إلى جانب رغبة غالبيتها في ضم شخصيات سياسية وعشائرية أكثر، واستقطاب أناس من خارج دائرتها العقائدية والتنظيمية والثقافية لكسب مزيد من الأصوات.
ويعكس تعدد القوائم، بحسب علي، “تحولاً في بنية القوى الشيعية من وحدة الإطار إلى تنافس داخلي على زعامة المشهد”، لا سيما مع دخول السوداني بثقل حكومي متنامٍ، مقابل محاولات الأطراف التقليدية استعادة زمام المبادرة عبر تحالفات موازية، مع إمكانية تكتلها بعد الانتخابات إذا اقتضت مصالحها المشتركة، ويمكن أن تمضي بعضها نحو التحالف مع القوة الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة.
ويُذكّر علي بأن رئيس الوزراء في الحكومات العراقية المتعاقبة كان يتم اختياره بعيداً عن مخرجات الانتخابات، واعتماداً على توازنات معقدة تميل دائماً إلى سيناريو تكليف رئيس وزراء لا يمثل أيّاً من الأطراف القوية، قائلاً: “هم يفضلون رئيس وزراء ضعيفاً.. الغالبية تفضل ذلك داخل البيت الشيعي وخارجه”.
من جانبه، يقول الباحث في الشأن الانتخابي قاسم الربيعي إن “الإطار التنسيقي خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة عبر قوائم وأحزاب متعددة بدلاً من قائمة موحدة يعكس تكتيكاً انتخابياً محسوباً يستهدف الاستفادة القصوى من آلية قانون سانت ليغو المعدّل 1.7 الذي يُعتمد حالياً لتوزيع المقاعد البرلمانية في العراق”.
وأضاف أن “هذا القانون الذي يقوم على تقسيم عدد الأصوات التي تحصل عليها القوائم على سلسلة من الأرقام الفردية يمنح أفضلية واضحة للأحزاب الكبيرة على حساب القوائم الصغيرة والمستقلين، إذ تُقسم الأصوات على رقم أكبر في البداية، مما يُضعف حظوظ القوى الناشئة في الحصول على مقاعد برلمانية”.
ويرى الربيعي أن تعدد القوائم الشيعية ضمن الإطار ليس مؤشراً على انقسام بالضرورة، بل هو “أسلوب لضمان حصد أكبر عدد ممكن من المقاعد عبر الانتشار الانتخابي بالاستفادة من طبيعة القانون الذي يُكافئ الكتل ذات القواعد الثابتة والمتنوعة”.
وربما جاء قرار الإطار التنسيقي نتيجة تغيّر موازين المنافسة بحكم غياب التيار الصدري عن المشهد الانتخابي الحالي، إذ يشير الربيعي إلى أن “وجود التيار في انتخابات 2021 كان يشكل الندّ الحقيقي للإطار التنسيقي بحكم امتلاكه القاعدة الجماهيرية الأكبر في الشارع الشيعي”. ولو قرر التيار الصدري المشاركة لاختلف شكل التحالفات وطبيعة الخطاب الانتخابي، بحسب الربيعي، إذ كان سيجبر الإطار على “الاصطفاف مجدداً في قائمة موحدة لمواجهته”، مشيراً إلى أن “خلو الساحة من الخصم النوعي شجع قوى الإطار على خوض الانتخابات بمرونة وتنافس داخلي مضبوط”.
وستشهد الانتخابات البرلمانية مشاركة أكثر من 145 حزباً وتحالفاً سياسياً مع مرشحين مستقلين في عموم المحافظات، ما يجعلها واحدة من أكثر الاستحقاقات الانتخابية ازدحاماً بالمتنافسين في تاريخ البلاد.
وتُظهر الأرقام أن الانتخابات البرلمانية لعام 2025 ستكون أشد تنافساً داخل البيت الشيعي، إذ تسعى كل كتلة إلى تعزيز نفوذها في مرحلة يُتوقع أن تعيد رسم شكل البرلمان، وبغض النظر عن التغييرات المحتملة وتأثيرها في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، فإن كلا الائتلافين سيواجه صعوبة كبيرة في جمع القوى الأخرى إلى جانبه، وبالتالي تحديد شخصية رئيس الوزراء، مع احتمال تكرار السيناريوهات السابقة بالبحث عن رئيس وزراء لا يمثل أيّاً من الطرفين.










