ترجمة: حامد أحمد
تناول تقرير للمجلس الأطلسي (Atlantic Council)، للدراسات في واشنطن، استعداد العراقيين للتوجه إلى صناديق الاقتراع الأسبوع المقبل في لحظة حاسمة ستحدد مسار البلد ومستقبله في الجانب الاقتصادي والأمني والسيادي، في وقت يواصل العراق موازنة علاقاته مع الولايات المتحدة وإيران، مؤكداً بأن الولايات المتحدة ستواصل الانخراط مع العراق في مرحلة ما بعد الانتخابات، مع توقع إدارة ترامب من الحكومة الجديدة مسعىً لدمج قوات الحشد الشعبي ضمن المؤسسات الحكومية.
وأشار التقرير إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة تواصل الانخراط مع العراق في مرحلة ما بعد الانتخابات، نظرًا للمصالح الاستراتيجية والأمنية والسياسية والاقتصادية لكل من البلدين على الصعيدين الإقليمي والعالمي. السؤال الحقيقي سيكون حول كيفية تعامل رئيس الوزراء الجديد وحكومته مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب — بما في ذلك المبعوث الأمريكي الجديد الخاص إلى العراق — لتعزيز العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق، وجذب الاستثمارات الأمريكية والأجنبية في تنمية العراق، ومعالجة الخلافات المستمرة بين بغداد وأربيل.
وكانت واشنطن قد أوضحت منذ زمن طويل مصالحها الإقليمية لقادة العراق، بالإضافة إلى توقعاتها من العراق في القضايا المهمة، بما في ذلك دعم مكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، واستمرار التزام العراق بشروط العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
ويؤكد التقرير أن إدارة الرئيس ترامب تتوقع من الحكومة العراقية الجديدة إحراز تقدم في دمج قوات الحشد الشعبي ضمن المؤسسات الحكومية القائمة، والحد من سيطرة القادة المرتبطين بالحشد على الوزارات الرئيسية. إن الحفاظ على حوارٍ بنّاءٍ واستراتيجي بين واشنطن وبغداد حول القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية — بغض النظر عن مدى صعوبته أو إحراجه — يمثل أفضل نهج لتعزيز المصالح الأمنية الأمريكية في العراق والمنطقة.
وبخصوص مدى التأثير والنفوذ الإيراني الحالي على مجريات الانتخابات في العراق، أشار التقرير إلى أن التغيرات الإقليمية الأخيرة المتمثلة بالحرب بين إيران وإسرائيل في حزيران، وتدهور اقتصادها، وما حصل لحزب الله في لبنان، وتغيّر النظام الحاكم في سوريا، جميعها عوامل ساهمت في تراجع النفوذ الإيراني وضعف أدوات القوة لديها، حيث كان لإيران في السابق دور كبير في اختيار رؤساء الوزراء المتعاقبين وتشكيل الحكومات في العراق.
مع ذلك، يشير التقرير، فإنه على الرغم من أن قدرة إيران على فرض القرارات التشغيلية في العراق أصبحت أضعف، إلا أن الروابط الإيديولوجية والسياسية لا تزال قوية داخل بعض الأحزاب السياسية العراقية، وستواصل إيران ممارسة تأثيرها على مستوى استراتيجي واسع.
من جانب آخر، يواصل الناخب العراقي الإدلاء بصوته في الغالب على أساس طائفي أو عرقي، مع وجود حالات قليلة فقط يصوّت فيها الناخبون لمرشحين من خارج مجموعاتهم. هذا النمط المستمر يسلّط الضوء على التأثير المتجذّر للهوية الطائفية والعرقية في تشكيل السلوك الانتخابي والتوجهات السياسية داخل العراق.
وبعيدًا عن التصويت القائم على الهوية، تختلف الأولويات السياسية بشكلٍ كبير بين محافظات العراق. فوفقًا لاستطلاع للرأي العام أجراه مركز رواق بغداد للسياسات العامة، لم تكن الكهرباء من بين أبرز اهتمامات الناخبين في إقليم كردستان والبصرة، بينما بقيت قضية مركزية في محافظات أخرى. في تلك المناطق، أعطى الناخبون الأولوية للخدمات الأساسية مثل البنية التحتية (الطرق والجسور)، والتعليم، والرعاية الصحية.
وقد أثّرت هذه الاختلافات في الأولويات على توجّه الناخبين. ففي محافظات مثل واسط وكربلاء والبصرة، فضّل العديد من الناخبين الكتل السياسية المرتبطة بالمحافظين، لاعتقادهم بأن الإدارات المحلية قدّمت خدمات ملموسة. ومن اللافت أن محافظ كربلاء مرتبط بائتلاف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مما قد يعزز مكانة هذا الائتلاف في تلك المحافظة.
بشكل عام، من المتوقع أن يتمكن ائتلاف السوداني من الفوز بحوالي ستين مقعداً برلمانياً، وذلك حسب مدى قدرته على إقناع الناخبين بأن حكومته قد نجحت في تقديم الخدمات العامة خلال فترة ولايته. وفي بغداد، من المتوقع أن تخسر الكتل الشيعية نحو خمسة مقاعد، ويرجع ذلك أساسًا إلى انخفاض نسبة مشاركة الناخبين الشيعة بسبب مقاطعة رجل الدين مقتدى الصدر للانتخابات، مقابل زيادة مشاركة الناخبين السنة.
ولكن من ناحية أخرى، تبدو احتمالية حصول محمد شياع السوداني على ولاية ثانية ضعيفة نوعاً ما، ويرجع ذلك أساساً إلى الانقسامات العميقة داخل الإطار التنسيقي، وهو التحالف السياسي الشيعي الذي اختاره في الأصل لرئاسة الحكومة. فقد تصاعدت التوترات بين كتل الإطار المختلفة بشكلٍ كبير خلال الفترة التي سبقت الانتخابات وأثناء الحملات الانتخابية، مما يجعل التوافق على إعادة تعيينه أمراً صعب المنال.
وعلى الرغم من أن الإطار التنسيقي يظل العامل الأكثر تأثيراً في تحديد مستقبل السوداني السياسي، فإنه ليس العامل الوحيد. فهناك عاملان إضافيان يلعبان دوراً مهماً في تشكيل مسار تشكيل الحكومة بعد الانتخابات: أولاً: العامل الدولي، وبشكل خاص موقفي إيران والولايات المتحدة، إذ غالباً ما يحدد قبولهما الضمني – أو على الأقل عدم اعتراضهما – حدود النتائج السياسية المقبولة في العراق.
ثانياً: دور المرجعية الدينية في النجف، التي مارست تاريخياً تأثيراً أخلاقياً وسياسياً كبيراً. إلا أنه من غير المرجّح أن تؤدي المرجعية هذه المرة دوراً حاسماً في عملية الاختيار، نظراً لاعتماد قيادتها الدينية مقاربة تهدف إلى تقليص التدخل في الشأن السياسي إلى أدنى حد ممكن.
الطريق الوحيد المحتمل أمام السوداني للاحتفاظ بمنصبه هو أن يتمكن، مع حلفائه السنّة والأكراد، من تأمين أغلبية الثلثين في البرلمان، غير أن هذا السيناريو يبدو غير مرجّحٍ إطلاقاً في ظل الظروف السياسية الراهنة.
عن المجلس الأطلسي للدراسات










