بغداد/ تميم الحسن
أفاد مرشحون بأن منتسبين في القوات الأمنية و»الحشد الشعبي» تلقوا «تهديدات بالفصل عن العمل» في حال عدم التصويت لصالح جهات محددة خلال يوم الاقتراع الخاص يوم الأحد المقبل.
ويقدّر سياسيون ومراقبون أن نحو «نصف الأصوات» على الأقل ستذهب إلى قوائم «الحشد» و»العسكر»، أبرزها «منظمة بدر» بزعامة هادي العامري، و»كتلة حقوق» التابعة لـ»كتائب حزب الله.»
ويشارك «الحشد الشعبي» للمرة الأولى في الاقتراع الخاص، فيما تخوض نحو 20 قائمة انتخابية تضم قيادات من فصائل مسلحة السباق الانتخابي، كما يشارك رئيس هيئة الحشد فالح الفياض، ووزير الدفاع ثابت العباسي.
وتعرف المرحلة الأولى في الانتخابات العراقية بالتصويت الخاص، تجري قبل 48 ساعة من التصويت العام، وتشمل منتسبي القوات الأمنية والنازحين ونزلاء السجون والمستشفيات. ويبلغ عدد ناخبي هذه الفئة مليونًا و313 ألف ناخب، موزعين على 809 مراكز اقتراع و4 آلاف و501 محطة تصويت، بحسب ارقام المفوضية.
«توزيع الولاءات»
يقول النائب السابق والمرشح الحالي عن بغداد رحيم الدراجي إن الأحزاب تجاهلت على مدى سنوات المطالبات بإلغاء التصويت الخاص، رغم ما يحمله من إشكالات جوهرية.
ويضيف الدراجي في حديثه لـ(المدى) أن «تصويت القوات الأمنية خطأ كبير، فهذه القوات تمثل جميع العراقيين، ولا ينبغي أن تتوزع أصواتها بين الأحزاب، لأن ذلك يؤدي إلى انقسام الولاءات وضياع الولاء للوطن.»
ويشير إلى أن «الأحزاب تنظر إلى القوات الأمنية باعتبارها أصواتاً انتخابية، لا حماة للوطن»، موضحاً أن «نفوذ الأحزاب كان في السابق أقوى، لكن تراجعها وفشلها في إدارة الدولة أضعفا قدرتها على السيطرة الكاملة.»
ورغم ذلك، يرى الدراجي أن «بين صفوف القوات الأمنية اليوم أصواتاً حرة تصوّت لمرشحين وطنيين بعيداً عن الإملاءات السياسية»، لكنه يستدرك بالقول: «هذا لا يعني غياب السيطرة، فما زال قسم من المنتسبين يخضع لضغوط وتهديدات مباشرة من بعض الجهات.»
ويؤكد الدراجي أن بعض المنتسبين «يتعرضون للتهديد باستخراج أسمائهم من شريط التصويت إن لم يصوّتوا لجهات معينة، ما يثير الخوف بينهم على رواتبهم ووظائفهم، في ظل صعوبة الحصول على فرصة عمل.»
ويختم بالقول: «تصلنا اتصالات عن قصص تهديد حقيقية، في حين أن الأصل هو إقناع الناخب بالبرامج لا بالتهديد أو الإغراء واستغلال النفوذ السياسي.»
تشكل أعداد ناخبي وزارة الداخلية النسبة الأكبر ضمن المشمولين بالتصويت الخاص، إذ يبلغ عددهم نحو 597 ألف ناخب، تليهم وزارة الدفاع بـ298 ألف ناخب، ثم وزارة البيشمركة (قوات أمن إقليم كردستان) بـ145 ألف ناخب، فيما تشارك هيئة الحشد الشعبي للمرة الأولى في هذا النوع من التصويت بـ128 ألف ناخب، وفق بيانات مفوضية الانتخابات، وستقوم بحماية بعض مراكز الاقتراع، وفق ما قالته وكالات قريبة من «الفصائل».
«حرق بطاقات الناخب»
وفي السياق ذاته يقول القيادي السني أثيل النجيفي، أن «بعض المجتمعات تعيش حالة من الخوف أثناء التصويت، خصوصًا عندما يكون عناصر من الحشود قريبين من مراكز الاقتراع، حيث يُوهم الناخبون بأن هناك من يراقب تصويتهم ويعرف لمن وضعوا أصواتهم.»
ويكشف النجيفي في حديثه لـ(المدى) عن «تهديدات تطال بعض الناخبين من خلال جمع بطاقاتهم الانتخابية مسبقًا، وفي حال لم تضمن بعض الفصائل تصويتهم، يعمد قادتها إلى حرق تلك البطاقات يوم الانتخابات، ما يؤدي إلى حرمانهم من المشاركة وإلحاق الضرر بخصوم تلك الجهات.»
ورغم ذلك، يؤكد النجيفي، وهو محافظ نينوى الأسبق، أن هذه الظواهر لم تعد واسعة كما كانت في السابق، موضحًا أن «التأثير تراجع مقارنة بالتجارب الماضية، لأن الناس أصبحت أكثر وعيًا، وتدرك أن القلة فقط هم من يملكون القدرة على الضغط، حتى لو كانت هذه القوائم تابعة لقادة الفصائل أو لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني فيعلمون أنهم لم يعودوا قادرين على الانتقام من الناخبين أو معاقبتهم على خياراتهم.»
وتلجأ الأحزاب عادةً إلى استثمار التصويت الخاص بوصفه أداة للدعاية السياسية، إذ تعلن مبكرًا عن «الفوز» وتحتفل بالنتائج قبل صدورها الرسمية.
ففي انتخابات عام 2021، أعلن نحو 500 مرشح، مساء يوم التصويت، تحقيقهم «اكتساحًا» في نتائج الاقتراع الخاص، رغم أن عدد مقاعد مجلس النواب لا يتجاوز 329 مقعدًا، ما عُدّ حينها مبالغة سياسية تهدف إلى خلق انطباع زائف بالنصر والتأثير على الناخبين قبل التصويت العام.
«نصف الأصوات فقط»
إلى ذلك يؤكد المحلل السياسي غالب الدعمي استحالة أن تذهب جميع أصوات المنتسبين في الأجهزة الأمنية أو وزارة الداخلية لصالح جهة واحدة، مثل «منظمة بدر» التي تملك نفوذ داخل وزارة الداخلية أو غيرها، موضحًا أن «الناخب من أفراد القوات الأمنية يتوجه إلى الصندوق منفردًا، ويختار المرشح الذي يريده، ولن يخضع بسهولة للإملاءات السياسية.»
ويضيف الدعمي في حديثه لـ(المدى) أن «الأصوات في الإقتراع الخاص ستتوزع بين القوائم المدنية والحزبية على حدّ سواء، رغم وجود تأثير نسبي للجهات المتنفذة.»
ويرى أن «جزءًا كبيرًا من التصويت الخاص، قد يصل إلى نحو النصف، سيذهب إلى القوى السياسية المسيطرة على الأجهزة الأمنية، مثل كتلة حقوق، والعصائب، وبدر، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، إلا أن مجموع ما ستحصل عليه هذه الجهات مجتمعة لن يتجاوز 50% من إجمالي الأصوات.»
في انتخابات عام 2021 التشريعية، بلغ عدد المشمولين بالتصويت الخاص نحو 1.2 مليون ناخب، شارك منهم 68% وفق بيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
وتُعد هذه النسبة أقل من نسبة المشاركة في انتخابات عام 2018 التي بلغت 78%، غير أن عدد المصوتين في انتخابات 2021 كان الأعلى.
ففي عام 2018، بلغ عدد من أدلوا بأصواتهم أكثر من 700 ألف ناخب من أصل نحو 940 ألفًا، بينما ارتفع عدد المشمولين بالتصويت الخاص في الانتخابات الأخيرة إلى نحو 1.2 مليون، أي بزيادة تقارب 250 ألف ناخب خلال ثلاث سنوات.
معضلة التصويت الخاص
من جهته يرى الباحث والأكاديمي زياد العرار أن جميع الأطراف السياسية تحاول التأثير على العسكريين في التصويت الخاص، وهو ما اعتبره الكثيرون معضلة تستدعي إلغاؤه. لكن، وفق العرار، فإن «الوضع الأمني يفرض استباق عملية التصويت للعسكر، نظرًا لتوليهم مسؤوليات في مراكز الاقتراع العديدة.»
ويشير العرار في حديث لـ(المدى) إلى أن التجارب الانتخابية السابقة أثبتت أن التصويت الخاص لم يكن خاضعًا للتأثير المباشر من القيادات المعنية بقدر ما يتأثر بالتوجهات الإيديولوجية للفرد العسكري. ويضيف: «كل رئيس جهاز أو قائد أو وزير أو أي جهة معنية بمحطات التصويت الخاص يحاول استخدام منصبه للتأثير، لكن التأثيرات المباشرة لم تكن قوية في الانتخابات السابقة.»










