بغداد/ تميم الحسن
بدأ أمس في العراق الصمت الانتخابي تمهيدًا للاقتراع الخاص المقرَّر اليوم الأحد، في وقت خففت فيه "الفصائل" المشاركة بقوة في السباق الانتخابي من حدّة التصعيد مع الولايات المتحدة بشكلٍ لافت.
ويتنافس نحو 20 كيانًا سياسيًا يمتلك أجنحة مسلّحة في الانتخابات، في مشاركة غير مسبوقة، رغم وجود دعوات إلى استبعادها من التنافس نظرًا لمخالفتها القانون الذي يحظر مشاركة الجماعات المسلحة في العملية الانتخابية.
وقبل ساعات من دخول "الصمت الانتخابي" حيّز التنفيذ، وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خطابًا إلى العراقيين دعاهم فيه إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات.
وتُعرف المرحلة الأولى في الانتخابات العراقية بالتصويت الخاص، وتُجرى قبل 48 ساعة من التصويت العام، وتشمل منتسبي القوات الأمنية والنازحين ونزلاء السجون والمستشفيات. ويبلغ عدد ناخبي هذه الفئة مليونًا و313 ألف ناخب، موزعين على 809 مراكز اقتراع و4 آلاف و501 محطة تصويت، بحسب أرقام المفوضية.
وقال السوداني في كلمةٍ متلفزة مساء الجمعة الماضية إنّ "العالم يترقّب نتائج التجربة الديمقراطية العراقية"، مشيرًا إلى أن مشاركة العراقيين الواسعة ستكون رسالة واضحة عن عراقٍ جديد يؤمن بالتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع.
كما دعا السوداني جميع المواطنين إلى ممارسة حقهم الانتخابي بحرية ووعي ومسؤولية، قائلًا: "صوتكم أمانة ومسؤولية وقيمة عالية، وهو صوت المستقبل، فاختاروا مستقبلكم بحرية ودون إكراه أو ضغط."
ولا يُسمح خلال فترة "الصمت الانتخابي" بأي تغطية إعلامية أو ترويج انتخابي لصالح الكيانات أو الائتلافات أو المرشحين، وفقًا لتوجيهات صادرة عن هيئة الإعلام والاتصالات.
ويُعاقب المخالفون لهذه التعليمات بالحبس لمدة تصل إلى سنة وفرض غرامات مالية قد تبلغ 50 مليون دينار، وذلك استنادًا إلى أحكام قانون الانتخابات.
وتُجرى الانتخابات التشريعية في العراق يوم الثلاثاء المقبل، 11 تشرين الثاني 2025، بمشاركة 7,744 مرشحًا، في حين تم استبعاد 848 مرشحًا من السباق الانتخابي.
تراجع "تكتيكي"
وقبل ساعات من بدء "الصمت الانتخابي"، أعلن قيس الخزعلي، زعيم "عصائب أهل الحق" وأحد أبرز قادة الجماعات السياسية التي تمتلك فصيلًا مسلحًا يشارك في الانتخابات، عن موقفٍ أكثر هدوءًا تجاه الولايات المتحدة.
وفي مقابلةٍ تلفزيونية، ردّ الخزعلي على من يتّهم حركته (صادقون/العصائب) بقتل جنودٍ أميركيين، قائلًا: "من يقول إننا قتلنا جنودًا أميركيين، نقول له إنكم قتلتم مواطنين عراقيين، أنتم قتلتم المواطنين لأنكم كنتم قوات احتلال، ونحن من قتلنا الجنود الأميركيين دفاعًا عن المقاومة، وكان ذلك في ظرفٍ خاص واستثنائي."
وفيما يخصّ الاستثمارات الأميركية الأخيرة في العراق التي تصاعدت مع تعيين مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بغداد، قال الخزعلي: "نحن مع العراق الرسمي، ولا مشكلة لدينا مع الاستثمارات الأميركية"، مضيفًا في الوقت نفسه: "إذا كانت مهمة سافايا اختيار رئيس وزراء، فهذا أمر مرفوض وممنوع."
وتبدو المواقف المخففة تجاه الولايات المتحدة بمثابة "تراجع تكتيكي" من بعض القوى الشيعية المعروفة بعدائها لواشنطن، وذلك بسبب الضغوط الأميركية واقتراب موعد الانتخابات، وفقًا لما يرجّحه محللون.
وقبل دخول "الصمت الانتخابي" حيّز التنفيذ، قال مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق: "لقد حقق العراق في السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا، ومع اقتراب البلاد من مرحلة مفصلية في مسيرتها الديمقراطية، فلنواصل هذا الزخم."
وأضاف في تدوينة على موقع "إكس": "تؤكد الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب العراق وهو يمضي قدمًا نحو مستقبل قوي ومستقل وخالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج."
وسبق أن لمح المبعوث الأميركي عدة مرات إلى عدم وجود مكان للفصائل المسلحة في المرحلة المقبلة بالعراق.
ومع ذلك، تتجاهل الفصائل هذه التحذيرات، وتبدو الجماعات المسلحة البارزة، مثل "كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء"، منشغلة بالتحضير للانتخابات بعدما بدا أنها أرجأت نشاطها "المقاوم" مؤقتًا لصالح العمل السياسي.
ومساء الجمعة، قال الأمين العام لـ"كتائب حزب الله" أبو حسين الحميداوي، في بيانٍ صحافي، إن الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية والحشد الشعبي سيشاركون في الانتخابات.
وأشار الحميداوي، الذي تدعم مجموعته قائمة انتخابية تحمل اسم "حقوق"، إلى أن الحكومة السابقة التي تشكّلت منذ عام 2022 كانت حكومة الإطار التنسيقي، مدعومة بالكامل من الفصائل الشيعية والمقاومة والحشد الشعبي، مضيفًا أن الشيعة حكموا البلاد نحو ثلاث سنوات تقريبًا بشكلٍ متقطع.
وأكد أن الخلافات داخل المكون الشيعي تبقى ضمن حدود القانون والعرف والمرجعية الدينية، محذرًا من المخاطر الناتجة عن الخلافات مع المكونات الأخرى، في إشارة إلى المكونات السنية.
ودعا الحميداوي في بيانه علماء الدين وشيوخ العشائر والأجهزة الأمنية والحشد الشعبي إلى المشاركة الفاعلة في الانتخابات حفاظًا على الاستقرار ومنع الفتن، مشيرًا إلى أن الحكومة المقبلة ستتشكل وفق إرادة الإطار التنسيقي ودعم الفصائل الشيعية.
"حالة لبنان"
ويُفترض أن الحكومة قد دمجت الفصائل المسلحة باستثناء ثلاث أو أربع جماعات، وفق تصريحات لرئيس الوزراء مطلع عام 2025، فيما يرجّح زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني "غير قادر على مواجهة الفصائل المسلحة".
وشبّه بارزاني الوضع في العراق بـ"حالة حزب الله في لبنان"، خلال مقابلةٍ تلفزيونية أُجريت معه مؤخرًا.
ويوم الجمعة الماضية، قال وزير الخارجية فؤاد حسين، في لقاءٍ مع قناةٍ عربية، إن القرار صدر من قبل الجانب الأمريكي بتصنيف ست فصائل ضمن قائمة ما أسماها بـ"الممنوعة".
والأسبوع الماضي، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن العراق تعهّد بوضع جميع الأسلحة تحت سيطرة الدولة، غير أن ذلك لن يتحقق ما دام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة موجودًا في البلاد، إذ تعتبره بعض الفصائل العراقية "قوة احتلال".
وأضاف في مقابلةٍ مع وكالة "رويترز" أن "هناك برنامجًا واضحًا لإنهاء أي سلاح خارج مؤسسات الدولة، فهذا هو مطلب الجميع"، مشيرًا إلى أن الفصائل قد تُدمج ضمن القوات الأمنية الرسمية أو في المشهد السياسي بعد تخليها عن السلاح.










