متابعة / المدى
أشار «منتدى فكرة» في تقرير نشره، إلى أن استمرار تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، بالتزامن مع انسحاب قوات التحالف الدولي، يفرض على بغداد والقيادة السورية الجديدة تعزيز التعاون الأمني بينهما. غير أن الانقسامات السياسية الداخلية في العراق، إلى جانب تعقيدات الموقف الإقليمي، ما تزال تحول دون تحقيق تقدم ملموس في هذا الاتجاه.وقال تقرير «منتدى فكرة» إن خطر تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الصحراوية المشتركة بين العراق وسوريا لا يزال قائماً رغم الخسائر الميدانية التي مُني بها التنظيم في السنوات الماضية، مشيراً إلى أن هذه المناطق تحوّلت إلى بؤر مفتوحة أمام شبكات التهريب وتسلل المقاتلين في ظل تراجع المراقبة الجوية وانسحاب جزء من القوات الدولية.
وأوضح التقرير أن الانسحاب التدريجي لقوات التحالف الدولي من العراق يمثل نقطة تحول مفصلية، إذ يضع بغداد أمام تحديات أمنية معقّدة تتعلق بقدرتها على مواجهة التنظيمات المسلحة من دون الدعم الجوي والاستخباري الذي وفره التحالف منذ عام 2014.
وأضاف أن التعاون مع دمشق لم يعد خياراً سياسياً فحسب، بل أصبح ضرورة أمنية لحماية الحدود الغربية ومنع تجدد الهجمات الإرهابية.وتناول التقرير جملة من الاتصالات السرية والعلنية التي جرت بين مسؤولين عراقيين والقيادة السورية الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد في عام 2024.
وكشف أن رئيس جهاز المخابرات العراقي حامد الشطري زار دمشق عدة مرات، والتقى الرئيس السوري أحمد الشرع، في إطار مشاورات لتنسيق الجهود الأمنية. كما أشار إلى لقاء جمع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالرئيس السوري في الدوحة ضمن مبادرة قطرية لتعزيز التعاون بين البلدين.وقال التقرير إن بغداد تخشى من استغلال الفراغ الأمني في سوريا بعد سقوط النظام السابق من قبل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الموجودين في مخيم الهول شمال شرقي البلاد، فيما تتوجس دمشق من عودة نفوذ الميليشيات العراقية الموالية لإيران إلى الأراضي السورية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وهو ما يجعل التعاون الأمني بين البلدين معقداً ومشدوداً بين محاذير متبادلة.
وأضاف التقرير أن الانسحاب الغربي يفتح أمام بغداد فرصة لإعادة صياغة تحالفاتها الإقليمية بعيداً عن الإملاءات الخارجية، إلا أن هذا المسار يواجه معوقات حقيقية ناجمة عن تضارب المصالح بين القوى الإقليمية. فتركيا، على سبيل المثال، تتابع بقلق أي مساعٍ لإحياء خط أنابيب النفط كركوك–بانياس الذي توقف منذ عام 2003، خشية أن ينافس خط كركوك–جيحان الذي يعد من أهم خطوطها الاستراتيجية.كما أشار إلى أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، تشارك أنقرة مخاوفها من تمدد النفوذ الإيراني في دمشق عبر البوابة العراقية.
وتعمل هذه الدول على تقديم مبادرات اقتصادية بديلة تهدف إلى تقليل اعتماد سوريا على النفط العراقي وربطها بمحاور عربية جديدة، في حين تسعى إيران إلى تثبيت نفوذها من خلال آلية تنسيق ثلاثية تضم طهران وبغداد ودمشق تحت شعار «مكافحة الإرهاب عبر الحدود».
وأكد التحليل أن الصراع الإقليمي ينعكس بشكل مباشر على الساحة السياسية العراقية، إذ ينقسم المشهد الداخلي بين تيار موالٍ لطهران يعتبر أي تقارب مع سوريا الجديدة خيانة للحليف الإيراني، وتيار براغماتي يدعو إلى الانفتاح على دمشق انطلاقاً من المصلحة الوطنية والأمن القومي العراقي.
وقد تجلّى هذا الانقسام في الخلاف الذي أثاره رفض رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي دعوة الرئيس السوري لحضور قمة الجامعة العربية التي استضافتها بغداد، مقابل دعم السوداني لهذه الخطوة بوصفها ضرورية لتكامل الموقف العربي من الأزمة السورية.
وتابع التقرير أن مستقبل العلاقات العراقية–السورية مرهون بقدرة بغداد على تجاوز الضغوط الإقليمية والانقسامات الداخلية. ففي حال نجحت الحكومة العراقية في إدارة هذا التوازن، يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة توسيعاً لمجالات التعاون عبر إنشاء مراكز تنسيق حدودية مشتركة وإطلاق مشاريع اقتصادية وتنموية ثنائية، من بينها إعادة تأهيل خط أنابيب كركوك–بانياس.
أما السيناريو الأكثر احتمالاً، بحسب التقرير، فهو استمرار التعاون الأمني المحدود بين الجانبين في نطاق سري يقتصر على تبادل المعلومات وعمليات مشتركة ضد بقايا تنظيم الدولة الإسلامية.
وختم «منتدى فكرة» تحليله بالقول إن مسار التعاون بين بغداد ودمشق بعد الأسد لن يتضح إلا بقدر ما تستطيع الحكومتان تحييد الصراعات الإقليمية وصياغة معادلة أمنية واقعية تقوم على المصالح الوطنية المشتركة لا على التحالفات العابرة للحدود.










