ترجمة حامد أحمد
تناول تقرير لمركز المجلس الأطلسي للدراسات في واشنطن (Atlantic Council) بدءَ العراق خوضَ الانتخابات البرلمانية السادسة وسط استقرارٍ أمني وتوافقٍ بين النخب السياسية على إبقاء عجلة الحكم جارية، مشيرًا إلى أنه من المرجح أن يجلب اقتراع 11 تشرين الثاني بعض التغيير، حيث يُعيد توزيع الثقل البرلماني ويُسرّع بتشكيل الحكومة مقارنةً بالسابقة، في وقتٍ ستواجه فيه الحكومة القادمة تحدياتٍ في ملفاتٍ متعددة من بينها إقرار تسوية مالية ونفطية مستقرة بين بغداد وأربيل ومعالجة أزماتٍ متعلقة بالمياه وتجارة المخدرات.
وفي كل الأحوال، ستُجرى الانتخابات، ونتيجتها المرجحة هي إعادة توزيعٍ للأوزان. غياب الصدر يمنح ائتلاف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أفضلية، إذ يروّج لتحسين الخدمات، من طرقٍ وكهرباء، كمنجزاتٍ واقعية. أما الكتل السُّنية فسيشهدون تنافسًا بين رموزٍ تقليدية ومنافسين جدد. وداخل البيت الشيعي، ستتنافس أجنحة الإطار التنسيقي على القاعدة الشعبية نفسها.
لكن الحسم الحقيقي يأتي بعد الاقتراع. فالمحاصصة ستبقى، لأنها نابعة من واقعٍ بنيوي لا يتغير: لا حزبَ يغطي كل الدوائر، ولا كتلة تطمح ببرنامجٍ أغلبي، وذاكرةُ التفرد بالسلطة تقترن بالعنف. فالانتخابات تحدد الثمن لا البضاعة؛ الحصص الوزارية تُقسَّم وفق صيغٍ غير رسمية، والمساومات تدور حول الحقائب التي ستتبدل.
ويشير التقرير إلى أن مسألة احتمالية فوز رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بولايةٍ ثانية، ستكشف آلية السلطة في العراق. فقد يحصد مقاعدَ أكثر، وحاز بعض الشعبية لتحسين الخدمات، لكن النخب تتذكر تجربة نوري المالكي: الولاية الثانية خطر لأنها قد تقود إلى تركيز السلطة. والسوداني يُتَّهَم أصلًا بالنزعة المركزية. ومع ذلك، من دونه قد يتفكك ائتلافه سريعًا. لذلك، النتيجة المرجحة ليست ولايةً ثانية له، بل رئيس وزراء جديد على شاكلته: متوازنٌ بين طهران وواشنطن، تقنيُّ المظهر، غيرُ مهددٍ لمصالح الآخرين.
الشيء الإيجابي هو أن تشكيل الحكومة قد يكون أسرع من الجمود الذي استمر عامًا في دوراتٍ سابقة، خصوصًا مع غياب الصدر والظروف الإقليمية المتوترة. السلبي أن الحكومة الجديدة قد تبقى قائمة على الولاء الحزبي، بواجهة تكنوقراط شكلية ومديرين عامين يُوزَّعون وفق منطق المحسوبية.
أما الاختبار الحقيقي لما بعد الانتخابات فهو ما إذا كانت النخب ستستغل الهدوء لترسيخ قواعد مؤسسية بدل الارتجال. الملف النفطي والمالي هو المجال الأوضح. فقد سمح الضغط الأمريكي الأخير بتحويل رواتب موظفي الإقليم واستئنافٍ جزئي لتدفق النفط عبر جيهان التركي. يأمل المتفائلون أن تُبنى على هذه الخطواتِ قوانينُ نفطٍ وغازٍ واضحة تُقنِّن تقاسم الإيرادات وتمنع الابتزاز السنوي. لكن المتشائمين يحذرون من أن منطق المحاصصة سيُعيد استخدام النفط والرواتب كأوراق مساومة. ويشير التقرير إلى أنه بغضّ النظر عن الشخص الذي سيقود العراق لاحقًا، فإن حكومته ستواجه تحدياتٍ مختلفة قائمة، من ضمنها أزمة المياه والمناخ، حيث تسيطر تركيا وإيران على منابع الأنهار، وكذلك زيادة التصحر والجفاف في الجنوب، وارتفاع الحرارة، كلها تُدمّر سبل العيش الريفية وتدفع للهجرة إلى المدن التي تعاني أصلًا نقص الخدمات. انخفاض مناسيب المياه في الصيف ليس رقمًا فنيًا بل تهديدًا أمنيًا حضريًا. الحلول ممكنة — تغيير المحاصيل، تحديث الري، الطاقة الشمسية — لكن يجب التعامل مع المياه كأولوية أمنٍ قومي تحت قيادةٍ موحدة وميزانيةٍ خاصة.
من تبعات أزمة المياه والتغير المناخي هجرةُ العوائل الريفية إلى المدن، ما يولّد صراعاتٍ عشائرية، وضعفًا في فرض القانون، وارتفاعًا في الجريمة. الحل يتطلب استثمارًا بلديًا مستدامًا، وتوفيرَ فرصِ عملٍ حقيقية.
من التحديات الأخرى المهمة التي ستواجهها الحكومة القادمة هو أسلوب التعامل مع ملف المخدرات والمتاجرة بها، حيث إن صناعتها وارتباطاتها بجماعاتٍ مسلحة وفسادٍ إداري، يجعلها من الأمور الخطيرة التي يجب معالجتها. المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي ويجب دعمها بنهجٍ صحي وقضائي متكامل، يشتمل على مراكز علاجٍ وحملات توعيةٍ وقضاةٍ محميين من المساومات السياسية.
ويؤكد التقرير أن الانتخابات ستعيد توزيع الأوراق، وقد تنتج حكومةً أسرع من سابقاتها، لكن التحدي الحقيقي بعد الاقتراع هو تحويل الهدنة السياسية إلى قواعد عادلة تقلّص الفجوة بين الشكل الدستوري والمضمون الفعلي للحكم. فالعراق يعرف كيف يُجري انتخاباتٍ ويُشكّل حكومات، لكنه يحتاج الصبر والانضباط لبناء مؤسساتٍ لا تُساوَم عليها في أي مناورات سياسية مقبلة.
الانتخابات العراقية الحالية تُعدّ من أهم الاستحقاقات السياسية منذ سنوات، لأنها تأتي في فترةٍ يُوصَف فيها العراق بأنه يعيش أكثر مراحله استقرارًا نسبيًا منذ 2003، لكنها أيضًا اختبارٌ هشٌّ لهذا الاستقرار في ظل تصاعد التحديات الداخلية والإقليمية خلال العامين الماضيين، بما في ذلك الحروب في غزة ولبنان والحرب بين إسرائيل وإيران في حزيران، وسقوط الرئيس السوري بشار الأسد في كانون الأول الماضي.
عن المجلس الأطلسي للدراسات










