TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > التصويت الخاص يفضح عمق النفوذ الحزبي داخل الأجهزة الأمنية ويحذّر من انهيار حياد الدولة

التصويت الخاص يفضح عمق النفوذ الحزبي داخل الأجهزة الأمنية ويحذّر من انهيار حياد الدولة

نشر في: 12 نوفمبر, 2025: 12:13 ص

بغداد / عبدالله علي العارضي
انتهت عملية التصويت الخاص للقوات الأمنية والعسكرية في أجواء وُصفت بـ"الهادئة والمنضبطة"، لكن خلف هذا الهدوء، ترتفع تحذيرات من أن المشاركة الواسعة في الاقتراع الخاص لا تعكس وعياً ديمقراطياً بقدر ما تكشف عن عمق النفوذ الحزبي داخل مؤسسات يُفترض أن تبقى محايدة.
وبينما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن "العملية انتهت بدقة عالية ومن دون أي معرقلات"، يرى محللون وخبراء أن ارتفاع نسبة المشاركة يثير القلق أكثر مما يبعث على الطمأنينة.
الشريفي: المشاركة العالية تكشف اختراق المؤسسة الأمنية
الخبير الأمني أحمد الشريفي قال في حديثه لـ (المدى)، إن "قضية الإقبال في الاقتراع الخاص تدل على حقيقة في غاية الخطورة، فالأحزاب استطاعت أن تسيطر وتروض المؤسستين الأمنية والعسكرية لصالحها".
وأضاف أن "الاختراق الحزبي للمؤسسة الأمنية يطيح بأمرين أساسيين، أولهما التداول السلمي للسلطة، على اعتبار أن ذلك مشروط بضمان استقلالية المؤسسة، أما الثاني فهو أن الولاءات باتت حزبية أكثر من كونها وطنية، والدليل على ذلك هو تحكم الأحزاب بإرادة الناخب داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية".
ويشير الشريفي إلى أن "هذه المعادلة خطيرة جداً، لأن المؤسسات الأمنية والعسكرية تُعدّ الضامن الرئيس لعملية التداول السلمي للسلطة، وهي مشروطة بأن تكون مستقلة وذات ولاء وطني".
ويتابع بالقول: "الاصطفافات الحزبية أصبحت واضحة جداً، والمشاركة الواسعة في التصويت الخاص تدل على إحكام القبضة الحزبية على المؤسستين الأمنية والعسكرية".
ويحذر الشريفي من أن "خضوع إرادة المؤسسة الأمنية والعسكرية للأحزاب يعني أنها رُوّضت، وقد تُستخدم كوسيلة ضغط لإخراج العملية السياسية عن بعدها الديمقراطي"، مؤكداً أن "المشاركة العالية في الاقتراع الخاص تمثل انحرافاً خطيراً في المعادلة السياسية باتجاه الهيمنة الحزبية على حساب الأسس الديمقراطية".
من جانبه، يرى المحلل السياسي محمد زنكنة أن "التصويت الخاص لطالما شهد نسب مشاركة عالية لأسباب متعددة، منها ارتباط بعض الفئات بأجندات حزبية أو قومية أو مذهبية".
وقال في حديثه لـ (المدى)، إن "هناك حالات تهديد واضحة للمنتسبين، من بينها التهديد بالفصل أو الحرمان من الراتب أو حتى رهن الراتب داخل المؤسسات الأمنية، وهذه الممارسات ليست بالضرورة صادرة من المؤسسة نفسها، بل من الأحزاب التي تديرها عن بعد أو من أفراد محسوبين عليها".
ويشير زنكنة إلى أن "نسب المشاركة في التصويت الخاص لا يمكن مقارنتها بالتصويت العام، فالأعداد محدودة والمجال أضيق، لكن المؤشرات السياسية والاجتماعية تبقى مقلقة"، مبيناً أن "محافظات الجنوب شهدت في دورات سابقة عزوفاً كبيراً، وإتلافاً متعمداً للأوراق أو امتناعاً عن التصويت، بينما شهدت مناطق أخرى مشاركة أوسع".
ويضيف أن "ما يجري اليوم هو انعكاس للاختراق الحزبي داخل المؤسسات الأمنية"، محذراً من أن "العزوف المتوقع في التصويت العام سيؤثر سلباً على سمعة العراق الدولية، لأن انخفاض نسبة المشاركة سيضع البلاد في تصنيفات غير جيدة بمعايير الديمقراطية".
ويتابع زنكنة أن "المحافظات الشمالية ستشهد مشاركة أعلى، فيما ستبقى المحافظات الجنوبية والغربية في حالة عزوف واسع بسبب فقدان الثقة بالعملية الانتخابية".
في المقابل، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن "عملية التصويت الخاص انتهت بدقة عالية ومن دون أي معرقلات"، مؤكدة أن "نسبة المشاركة كانت كبيرة وغير مسبوقة"، في إشارة إلى نجاح التنظيم الفني والإجرائي للاقتراع في عموم المحافظات.
المحلل السياسي ورئيس صحيفة "المستقل" علاء الخطيب قال لـ (المدى)، إن "أجواء التصويت الخاص جرت بهدوء وسلاسة، لكن هذا الهدوء لا يخلو مما يُسمّى بالنار تحت الرماد".
وأوضح أن "نسبة التصويت العالية ترجع إلى عدة أسباب، فغالبية الفصائل المنضوية تحت هيئة الحشد الشعبي تتبع أحزاباً وكتلاً سياسية، وبالتالي هناك توجيه واضح في عملية التصويت".
وبيّن الخطيب أن "النظام القائم على المحاصصة جعل حتى القادة العسكريين يتأثرون بالتوجهات السياسية، فالمؤسسة العسكرية ليست خالية تماماً من الميل الحزبي رغم طابعها المهني"، مضيفاً أن "ارتفاع حدة الخطاب الطائفي في الآونة الأخيرة ساهم أيضاً في تحفيز الإقبال على التصويت الخاص، كردّ فعل على الاستفزازات السياسية والمذهبية".
وأشار إلى أن "دعوات المقاطعة التي أطلقتها بعض القوى السياسية أدت إلى نتيجة عكسية، إذ دفعت شرائح أخرى إلى المشاركة بشكل أوسع"، لافتاً إلى أن "المال السياسي لعب دوراً مؤثراً هذه الدورة، من خلال الحملات الإعلانية والمهرجانات والمطبوعات الدعائية التي غذّت العقل الجمعي بضغط إعلامي مكثف".
وأضاف الخطيب أن "هناك شواهد ميدانية على تدخل بعض القادة الأمنيين في توجيه المنتسبين لاختيار جهات محددة"، معتبراً أن "هذه الضغوطات السياسية والإعلامية أدت إلى ارتفاع نسبة المشاركة في التصويت الخاص".
ويختتم بالقول: "سننتظر نتائج التصويت العام لنرى إن كانت المعادلة السياسية ستتبدل أم ستبقى خاضعة للهيمنة الحزبية ذاتها".
بينما تصف المفوضية سير العملية الانتخابية بالمنضبط والدقيق، يرى المراقبون أن ارتفاع المشاركة في التصويت الخاص ليس مؤشراً صحياً، بل علامة على تمدد الولاءات السياسية داخل مؤسسات الدولة.
ففي الوقت الذي يُفترض أن تكون القوات المسلحة رمزاً للحياد، تبدو اليوم جزءاً من معادلة حزبية متشابكة، قد تعصف بما تبقى من الثقة بالانتخابات وبمفهوم التداول السلمي للسلطة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram