ترجمة / المدى
حذرت منظمة الهجرة الدولية (IOM) التابعة للأمم المتحدة في بيانٍ لها من أن المدنيين مهددون بكارثة كبرى إذا لم تُلبَّ الدعوات لتوفير التمويل والوصول الآمن للمساعدات، في وقتٍ تواجه فرق الإغاثة الإنسانية في إقليم شمال دارفور بالسودان وضعًا خطيرًا يتمثل في انعدام الأمن ونفاد الإمدادات.
وقالت مديرة المنظمة الدولية للهجرة، آمي بوب، في بيانٍ لها الثلاثاء، إن الارتفاع في أعداد النازحين السودانيين بعد تقارير عن عمليات قتلٍ جماعيٍّ، وعن عنفٍ عِرقيٍّ وجنسيٍّ في مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها، أدى إلى تهجير ما لا يقل عن 90 ألف شخص.
وأضافت بقولها: “من دون الوصول الآمن والتمويل العاجل، فإن عمليات الإغاثة الإنسانية مهددة بالتوقف في اللحظة التي تكون فيها المجتمعات بحاجةٍ ماسةٍ إلى الدعم.”
وأضافت المنظمة أن زيادة التمويل أمرٌ حاسم للتخفيف من الأثر الإنساني للحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، مشيرةً إلى أن المستودعات في شمال دارفور شبه فارغة، وأن قوافل المساعدات تواجه “انعدامًا كبيرًا في الأمن” وقيودًا على الوصول إلى المناطق المحتاجة. وجاء في البيان: “على الرغم من تزايد الحاجة، فإن العمليات الإنسانية على وشك الانهيار. وتناشد المنظمة زيادة التمويل فورًا وتوفير وصولٍ إنسانيٍّ آمنٍ ومستدامٍ لتجنّب كارثةٍ أكبر.”
مجازر الفاشر ونزوح جماعي
وبحسب وكالات الإغاثة ومسؤولين أمميين، أسفر استيلاء قوات الدعم السريع مؤخرًا على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، عن مئات القتلى وأجبر عشرات الآلاف على الفرار، وفق تقارير تتحدث عن فظائع ارتكبتها تلك القوات. يقطع النازحون رحلاتٍ خطيرة عبر طرقٍ غير آمنةٍ بلا طعامٍ أو ماءٍ أو رعايةٍ طبية، ليصل عشرات الآلاف منهم إلى مخيماتٍ مكتظةٍ في تاويلا، تبعد نحو 70 كيلومترًا عن الفاشر، خلال الأسابيع الأخيرة. صحيبة عمر، 20 عامًا، من مخيم ديبا نايرا في تاويلا، تقول: “نحصل على القليل من الطعام من المطابخ المجتمعية هنا، فقط وجبات غداء بسيطة. نحتاج أيضًا إلى مصدرٍ قريبٍ للمياه ودورات مياه، فالتخلص من النفايات في العراء قد يجعلنا نصاب بالأمراض مثل الكوليرا.”وقالت بتول محمد، 25 عامًا، وهي متطوعة في المخيم: “النازحون كُثُر والجوع شديد. من الصعب جدًا أن يأتي إلينا أشخاصٌ يقولون إنهم لم يتمكنوا من الأكل لأن الطعام لم يكن كافيًا.”
معدلات مروعة من سوء التغذية
من جانبٍ آخر، حذرت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) يوم الثلاثاء من أن معدلات سوء التغذية في مخيمات النزوح بلغت مستوياتٍ مروعة، مشيرةً إلى أن الحجم الحقيقي للأزمة ربما يكون أسوأ بكثيرٍ مما تم رصده.
وذكرت المنظمة أن أكثر من 70% من الأطفال دون سن الخامسة الذين وصلوا إلى تاويلا بين نهاية أكتوبر و3 نوفمبر يعانون من سوء تغذية حاد، وأن أكثر من ثلثهم يعانون من سوء تغذيةٍ حادٍّ وشديد.
وامتدت أعمال العنف إلى مناطق أخرى من السودان، منها غرب دارفور ومنطقة كردفان، مما أجبر المزيد من السكان على الفرار من منازلهم. وأصبحت كردفان بؤرة الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع خلال الأيام الأخيرة.
وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فقد نزح نحو 39 ألف شخصٍ من شمال كردفان خلال الفترة الممتدة بين 26 تشرين الأول و9 تشرين الثاني.
حرب مدمرة بلا نهاية
بدأت الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني عام 2023 بعد تفجّر التوترات بين الطرفين اللذين كانا حليفين سابقًا مكلفين بالإشراف على الانتقال الديمقراطي عقب انتفاضة عام 2019.
أسفرت المعارك حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 40 ألف شخصٍ، وفق منظمة الصحة العالمية، وتشريد نحو 12 مليون مدني، لكن منظمات الإغاثة تقول إن العدد الحقيقي للضحايا ربما أكبر بكثير.
وأفادت شبكة الأطباء السودانيين يوم الأحد أن قوات الدعم السريع جمعت مئات الجثث من شوارع الفاشر ودفنت بعضها في مقابر جماعية وأحرقت أخرى، في محاولةٍ “يائسةٍ لإخفاء أدلة جرائمها ضد المدنيين”.
وجاء ذلك بعد تقارير حلّلتها جامعة ييل أظهرت عبر صور أقمارٍ صناعيةٍ أن قوات الدعم السريع تتخلص من الجثث عبر الحرق بعد سيطرتها على المدينة.
في 8 نوفمبر، أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على مقترحٍ أمريكيٍّ – عربيٍّ لوقف إطلاق النار الإنساني، وأبدت استعدادها لمحادثاتٍ حول وقفٍ شاملٍ للقتال، وقال الجيش السوداني إنه يرحب بالمبادرة لكنه لن يوافق عليها إلا إذا انسحبت قوات الدعم السريع من المناطق المدنية وسلمت أسلحتها.
وقد وافق الطرفان على عدة اتفاقاتٍ لوقف إطلاق النار خلال الحرب المستمرة منذ عامين ونصف، لكن لم ينجح أيٌّ منها حتى الآن.
آنا موتافاتي، المديرة الإقليمية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في شرق وجنوب أفريقيا، قالت إن العنف الجنسي واسع الانتشار، حيث نقلت نساءٌ فارّاتٌ من الفاشر رواياتٍ عن عمليات قتلٍ واغتصابٍ منهجيٍّ واختفاء أطفالهن.
وقالت في مؤتمرٍ صحفيٍّ من نيروبي عبر الفيديو: “هناك أدلة متزايدة على أن الاغتصاب يُستخدم عمدًا ومنهجيًّا كسلاح حرب. أجساد النساء تحولت إلى مسرحٍ للجريمة في السودان. لم تبقَ أماكن آمنة، ولا مواقع يمكن للنساء التجمع فيها بأمانٍ أو الحصول على الحماية أو حتى أبسط أشكال الدعم النفسي.”
وأضافت أن نحو 11 مليون امرأةٍ وفتاةٍ يعانين من انعدامٍ حادٍّ في الأمن الغذائي في دارفور التي ضربتها المجاعة، ويواجهن خطر العنف الجنسي حتى أثناء بحثهن عن الطعام، مشيرةً إلى أن نساء دارفور يلتقطن أوراق الأشجار والتوت البري ويغليْنها لصنع الحساء، معرضاتٍ أنفسهن لخطر الاختطاف والعنف أثناء ذلك.
في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، أعلن مراقبٌ عالميٌّ للأمن الغذائي أن المجاعة تفشّت في مدينتي الفاشر وكادوقلي، مع توسعها في مناطق أخرى من السودان مع استمرار الحرب.
وحذر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الجمعة من أن الإعدامات الميدانية والاغتصاب والعنف العِرقي لا تزال مستمرة في الفاشر.
وتقدّر الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 200 ألف شخصٍ ما زالوا محاصرين داخل المدينة بعد حصارٍ استمر 18 شهرًا.
عن وكالات عالمية










