ترجمة: حامد أحمد
تناول تقرير لموقع ذي كونفرسيشن The Conversation الأميركية للبحوث، طبيعة الانتخابات التي اعتاد عليها العراقيون منذ انطلاقها عام 2005 وما أعقبها من انتخابات متوالية لحد هذا العام، والتي تميزت حسب رأي الباحثين والخبراء بالتراجع المتواصل في نسب المشاركة لحد عام 2021، حيث أصبح العراقيون يعتقدون أنه لا شيء سيتغير عبر الانتخابات مهما فعلوا، لتحولها إلى طقس تُعاد فيه نفس المنظومة من الأحزاب والكتل، وأن التصويت أصبح من أجل الحصول على منفعة مبنية على المحسوبية من فرص تعيين تحوّلت فيها الدولة إلى أكبر منفذ توظيف واقتصاد ريعي مترهل.
ويشير الباحث، بامو نوري، من جامعة سيتي سان جورج في لندن، إلى أن انتخابات عام 2025 تكشف عن أزمة أعمق من مجرد الإحباط. فالمشكلة في العراق هي الاعتقاد الداخلي بأن لا شيء سيتغير أبداً. ويطلق علماء النفس على هذه الحالة اسم “الإحباط المتجذِّر”.
ورغم الإعلان الرسمي عن ارتفاع في نسبة المشاركة، فإن هذه النسبة كانت مُضخَّمة نتيجة انخفاض عدد المسجّلين. في الواقع، المشاركة الفعلية تتراجع باستمرار. ينظر العراقيون اليوم إلى الانتخابات بوصفها “طقوساً فارغة”، تحكمها القرابة والمحسوبية، وسط شعور واسع بـ”الإحباط المتجذِّر” الذي يجعل المواطنين مقتنعين بأن التصويت لا يغيّر شيئاً.
ذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع في 11 نوفمبر للتصويت في الانتخابات البرلمانية. أظهرت النتائج الأولية تقدّم ائتلاف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لكن أياً من الكتل لم يحصل على أغلبية مريحة في البرلمان المكوّن من 329 مقعداً.
وكما هو الحال منذ سقوط النظام السابق عام 2003، ستُشكَّل الحكومة القادمة عبر صفقات بين النخب، وليس بناءً على تفويض شعبي واضح. تحوّلت الانتخابات في العراق إلى طقس لاستمرار نفس المنظومة، بدلاً من أن تكون أداة لإنتاج تغيير حقيقي.
ويشير التقرير إلى أنه لأول مرة منذ سنوات احتفت السلطات بما يبدو أنه ارتفاع في نسبة الإقبال. فقد أعلنت المفوضية العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة بلغت أكثر من 55% من المسجّلين، مقارنة بنحو 36% عام 2021.
ويذكر الباحث، بامو، أن هذا الرقم يخفي حقيقة أكبر، وهو أن هناك 32 مليون عراقي مؤهل للتصويت، لكن الذين سجلوا وحصلوا على بطاقات انتخابية هم 21.4 مليون فقط. وفي عام 2021 كان المسجّلون 24 مليوناً. هذا التقليص في عدد المسجّلين رفع نسبة المشاركة بشكل آلي. كما أدلى أكثر من 1.3 مليون عراقي — معظمهم من القوات الأمنية والنازحين — بأصواتهم في الاقتراع المبكر بنسبة وصلت إلى 82%، ما أعطى انطباعاً بارتفاع الإقبال. والحقيقة أن المشاركة الانتخابية تنخفض بشكل متواصل.
في عام 2005 كانت نسبة المشاركة 79%، وفي عام 2010 كانت نسبة المشاركة 62%، وفي عام 2018 كانت نسبة المشاركة 44%، ثم تراجعت مجدداً في انتخابات عام 2021.
مع كل دورة انتخابية، تتكرر الوجوه ذاتها، والتفاهمات الطائفية ذاتها، وشبكات المحسوبية نفسها. بالنسبة لعدد كبير من العراقيين، لم يعد التصويت مشاركة… بل أداءً شكلياً.
الوظيفة مقابل الصوت الانتخابي
يذكر الباحث، بامو، في تقريره أن الاقتصاد النفطي الضخم في البلاد يلعب دوراً في المسرح الانتخابي، حيث يقوم هذا الاقتصاد بتمويل جهاز حكومي مكون من 4 ملايين موظف، حيث إن 3.3 ملايين يعملون في القطاع العام (38% من القوى العاملة)، مع 600 إلى 700 ألف في شركات حكومية تعتمد على الدعم، بالإضافة إلى 3.1 ملايين متقاعد، و1.5 مليون أسرة تتلقى مرتبات رعاية اجتماعية.
في ظل هكذا منظومة، يصبح التصويت امتداداً للراتب الحكومي، حيث تتداخل حدود الناخب والموظف، في وقت تحوِّل الأحزاب السياسية الوزارات إلى إقطاعيات خاصة تُوزَّع فيها الوظائف والعقود على الموالين. يعرف موظفو الدولة أن الرواتب والترقيات وحتى النقل بين الدوائر تعتمد غالباً على الانتماء الحزبي.
وكان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي قد ذكر في مقابلة قبل الانتخابات أن الانتخابات العراقية أصبحت عملية “شراء أصوات”.
لهذا يشعر كثير من العراقيين — وخاصة الشباب — بأن المشاركة لا فائدة منها بل قد تكون خطرة. وتشير الأبحاث إلى أن 46% من الشباب يريدون الهجرة، معتبرين السياسة مجالاً محفوفاً بالخطر والعنف وليس طريقاً لتحسين حياتهم.
وهكذا تستمر الانتخابات، لكن الإيمان اختفى. تبقى الديمقراطية في العراق مجرد عرض يُؤدَّى للحفاظ على الشرعية الشكلية، بينما تختفي منها القناعة.
ويشير الباحث إلى أن السعي لكسر هذا الإحباط والخروج من هذه الدائرة المفرغة يتطلب إصلاحاً اقتصادياً وسياسياً حقيقياً من خلال تقليل الاعتماد على النفط وتقليص حجم القطاع العام المبني على المحسوبية والولاء الحزبي والتحول إلى اقتصاد سوق حقيقي. ومن جانب آخر، يتطلب الأمر تعزيز المساءلة، وخاصة على مستوى القيادات، مع تفكيك شبكات المحسوبية. وبدون هذه الإصلاحات ستبقى الانتخابات طقوساً فارغة، وسيستمر ضخ النفط وتُدفع الرواتب وتُعدّ الأصوات، لكن وراء هذا المشهد يقبع صمت مجتمع فقد الأمل بحصول تغيير.
عن ذي كونفرسيشن










