TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: ماذا حـدث؟

العمود الثامن: ماذا حـدث؟

نشر في: 18 نوفمبر, 2025: 12:06 ص

 علي حسين

قالها صديق عاد إلى الوطن بعد غربة طويلة.. سألني: لماذا أصبحت الهوية الطائفية حاضرة بقوة هذه الأيام؟ هل لأنّ هناك خطراً على الشيعة، أم أن السـُّنة يتعرضون لحملة اجتثاث؟ كانت أسئلته تجسيداً لما يحدث في العراق هذه الأيام. لماذا أصبحت الطائفة أهم وأقوى من الوطن؟ ولماذا يصرّ الساسة على ترسيخ منطق الجماعات بدلاً من المواطنين؟
يكتب مهدي عامل في الدولة الطائفية: إن الاستبداد يوحِّد الطوائف، ينشر اليأس ويزيد أعداد المستضعفين..وهذا سرّ النزعة العنيفة باتجاه الطائفة أو القبيلة ". ويُضيف وهو يضع إصبعه على الجرح الطائفي النازف إن " الدّين أو الطائفة هنا ليس أكثر من لافتة تتجمع عندها عصبية، تتوهم حرباً عقائدية، ستكون بديلاً عن حروب أخرى تتعلق بحياة الناس ومستقبلهم."
الطائفي إذاً لا يخوض حرباً من أجل أبناء طائفته، لكنه يخوض حرباً بالناس لصالح موقعه في السلطة.. قال الصديق،منذ أيام وأنا أعيش بين أهلي مناخاً يعلو الطائفية والقبلية.. ويختتم جملته بعبارة واحدة..لماذا يريدون مني أن أصبح طائفياً في سبعة أيام فقط، هي المدة التي أريد أن أقضيها بين أهلي وأصدقائي؟
عام 1885 أطلق بول لا فارغ السياسي من أصل كوبي وصهر ماركس مقولته الشهيرة حول الحق بالحماقة، كانت المقولة في حينها مدهشة وجديدة وتعبر عن نوع من الحزن والأسى إلى ما وصل إليه مجتمع الساسة آنذاك من الاستهتار بمقدرات الناس وعقولهم في مجتمعات تحرِّض على العنصرية وتشيع التميز الطبقي والطائفي، ويبدو أن مفهوم الحماقة اليوم بدأ يشمل الشعوب التي تسلّم أمرها بيد سياسيين فاقدي الصلاحية والأهلية، ويكفي أن نأخذ عينات مما يجري في العراق، كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير إرادة الناس والشحن الطائفي، جعلت من المواطن المسكين لا يملك إرادته ويعيش على هامش الحياة.
ما معنى أن يدفعنا دعاة الطائفية، في كل يوم نحو وطن لا يحده سوى اليأس والخراب، هل يدركون مدى اتساع الهوَّة بينهم وبين الناس؟ الكراهية لها دولتها الآن بما فيها من سلطة قرار، وأجهزة تنفيذ، وماكينات تتزاحم فيها خطابات الطائفية والقبلية لتبدو معها خطابات المواطنة مجرد شعارات مضحكة.
قلت لصاحبي إن ما يجري هو غواية الدفاع عن الطائفة.. وهي غواية سهلة بالنسبة للمواطن البسيط كما أخبرنا الراحل مهدي عامل.. فهي ربما تصنع شعبية لدعاتها.. لكنها في النهاية ستشعل الحرائق في كل أرجاء وزوايا الوطن.
قال لي صاحبي، ولكن أنت وكثير غيرك تكتبون كل يوم محذرين.. فهل هناك من يصغي لكم؟
هل هناك من يقرأ تاريخ البلدان التي لمع فيها سحر الطائفية؟.. ليعرف أنه كما للطائفة سحر برّاق.. فإن لها أيضا طرق تؤدي إلى الخراب.
وأتساءل كما تساءل صديقي المغترب: هل فات أوان التحذير من الطائفية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. سعدي ستوري الشنون

    منذ 3 أسابيع

    العراق ليس له مايشبهه اطلاقا حتى في الدول العربية كمصر ولبنان وغيرها فليس فيه مايوحده لا تأريخ ولا جغرافيا ولا لغة..ولا دين وهنا الطامة الكُبرى فمتبنيات الناس فيه متباينة في الغرابة وعمقها عشرات القرون فلا سبيل لصلاحه بيد غرباء يعملون مايُؤمرون..كحكومتنا

  2. باسل علي محمود

    منذ 3 أسابيع

    كلام جميل ورائع الله يحفظك من كل شر

يحدث الآن

المنافذ تحقق أكثر من 2.2 تريليون دينار إيرادات جمركية في 2025

التشكيلة الرسمية لمنتخبنا الأولمبي لمواجهة عُمان ببطولة كأس الخليج

الأمم المتحدة: 316 مليون متعاطٍ للمخدرات عالمياً

القضائية تستبعد نجم الجبوري من مقاعد نينوى الانتخابية

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram