بغداد / محمد العبيدي
تتصاعد الأزمة بين نقابة المعلمين ووزارة المالية بسرعة لافتة، بعد تسريب كتب رسمية من الوزارة تتعلق بالطعن بالتعديل الأول لقانون وزارة التربية رقم 22 لسنة 2011 وعجز تخصيصات المتعاقدين، ومع أنّ الحكومة لم تُعلن موقفاً حاسماً حتى الآن، إلا أنّ الشارع التربوي يعيش حالة غليان واضحة، دفعت النقابة إلى إعلان سلسلة إجراءات تصعيدية تمتد من التظاهرات إلى الاعتصامات داخل المدارس، مروراً بمخاطبة مجلس الوزراء للبتّ في الملف خلال جلسته المقبلة.
وتعود جذور الأزمة إلى كتاب أصدرته وزارة المالية يوضح أسباب الطعن بالمادة (4/ثالثاً) الخاصة بمضاعفة المخصصات المهنية للكوادر التربوية، مبيناً أنّ "قلة السيولة المالية واللجوء إلى الاقتراض وتذبذب أسعار النفط" دفعت الوزارة إلى الطعن بالمصادقة على القانون.
وهذا الموقف فجّر موجة انتقادات واسعة، خصوصاً أنّ القانون أُقرّ بعد مسار دستوري كامل ونُشر رسمياً في جريدة الوقائع العراقية، الأمر الذي اعتبرته النقابة "مساساً" بحقوق المعلمين ومحاولة لإفراغ القانون من مضمونه.
إجراءات قانونية ونقابية
في هذا السياق، قال نقيب المعلمين العراقيين عدي العيساوي لـ(المدى)، إن "التظاهرات المقررة أمام وزارة المالية ستكون أولى الخطوات"، مضيفاً أن النقابة "بانتظار رد إيجابي من المالية لإيقاف التظاهرات، أما في حال عدم وجود رد فنحن ماضون بجميع الإجراءات القانونية والنقابية لاستعادة حقوق المعلمين كاملة".
ويرى العيساوي أن "توقيت الطعن بعد الانتخابات أوجد شعوراً بأن هناك من يريد استغلال أصوات المعلمين لعبور الانتخابات ثم التلاعب بمشاعرهم، وهذا سلوك غير مقبول لا إدارياً ولا قانونياً".
ورغم اشتداد الاعتراض التربوي، حاولت أطراف سياسية التخفيف من حدّة الجدل، إذ كشف النائب عادل الركابي عن عدم وجود نية لدى وزارة المالية لتقديم الطعن، مؤكداً أنه تواصل مع مسؤولين في الوزارة الذين نفوا وجود قرار رسمي بالطعن، وقال إن "المخصصات التي نصّ عليها القانون هي من أبسط حقوق الأسرة التربوية".
في الأثناء، دخلت لجنة التربية النيابية على خط المواجهة، حيث أكدت رئيس اللجنة سعاد الوائلي أنّ "الإجراءات الأخيرة لوزارة المالية مرفوضة تماماً ولا ترتقي لمستوى التعامل مع تشريع صوّت عليه ممثلو الشعب".
ودعت الوائلي في بيان وزارة المالية إلى "إيجاد حلول واقعية لتأمين المخصصات المالية وفق ما نص عليه القانون"، محذّرة من أن "الاعتراضات الإدارية لا يجب أن تتحول إلى عائق أمام تطبيق التشريعات".
اجتماع طارئ
وبالتوازي مع ذلك، عقدت نقابة المعلمين اجتماعاً طارئاً لمجلسها المركزي وخرجت بحزمة قرارات تصعيدية واضحة، تبدأ بتظاهرات في جميع المحافظات يوم الأربعاء المقبل، ثم اعتصام داخل المدارس يعدّ "جزءاً من الواجب الرسمي" يوم الخميس، على أن يتوّج التصعيد بتظاهرة كبرى موحدة في بغداد أمام وزارة المالية يوم الأحد.
ووجّه المجلس رسالة مباشرة إلى رئيس الوزراء ورؤساء الكتل السياسية، مطالباً بـ "احترام الدور الوطني للمعلمين في إنجاح العملية الانتخابية" وترجمة ذلك إلى خطوات فعلية لحماية حقوقهم.
وتؤكد النقابة أن "حقوق المعلمين ليست مجالاً للمساومة"، وأنها ماضية بتنفيذ القانون "كحق ثابت لا يمكن التراجع عنه"، كما طالبت الحكومة بتنفيذ قرار مجلس الوزراء (271 لسنة 2025)، وصرف المستحقات المتأخرة، وتثبيت العقود، وإطلاق العلاوات والترفيعات، إضافة إلى معالجة "عجز تخصيص أجور المتعاقدين" الذي ظهر في كتاب آخر لوزارة المالية أثار بدوره موجة استياء كبيرة.
ويرى مراقبون أن الأزمة الحالية تتجاوز بعدها المالي، وتمسّ صورة العلاقة بين الحكومة والكوادر، كما يخشى البعض من أن يتحوّل الملف إلى مواجهة سياسية مفتوحة إذا ما تجاهلت الحكومة المطالب أو مضت وزارة المالية بإجراءاتها.










