TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المشهد السياسي ما بعد الانتخابات في العراق.. ومن يحسم الصراع على السلطة

المشهد السياسي ما بعد الانتخابات في العراق.. ومن يحسم الصراع على السلطة

نشر في: 19 نوفمبر, 2025: 12:01 ص

عصام الياسري

على الرغم من أن نسبة المشاركة في التصويت خلال انتخابات 11 نوفمبر 25 لم تكن عالية ونسبة المقاطعين لها حسب تقديرات العديد من المصادر الإعلامية والمراكز المتخصصة تجاوزت 70%، إلا أن الحملة الانتخابية شعبياً ركزت على أن هناك حاجة إلى تغيير سياسي جذري في البلاد: "العراق بحاجة إلى وجوه جديدة، إلى دماء جديدة ـ نحن بحاجة ـ إلى أشخاص صادقين مع الشعب، يخدمون الشعب، لا أن يخدموا أنفسهم فقط". وهذا ما لم يحصل حيث لم يطرأ تغيير جوهري في ميزان القوى اللاعبة على مسرح الحدث الانتخابي وسياسة ترتيب بيع وشراء أصوات الناخبين في مزاد احتكاري كان لها فعلها.
في هذه الدورة وكما في كل مرة ومنذ الانتخابات التشريعية في مايو عام 2018، لا يوجد لدى السكان اهتمام كبير بالانتخابات ونسبة المشاركين في التصويت في أفضل الأحوال لا تتجاوز 30%. العديد من المرشحين في قوائم انتخابية مدنية ومستقلة مختلفة تتحدث عن قضايا الفساد المستشري، ونفس الأشخاص الذين شكلوا المشهد السياسي في البلاد لأكثر من 20 عاماً يتحدثون صراحة عن الأزمات وسوء الإدارة وتقاسم الامتيازات والمحسوبية دون رادع قانوني.
والنتيجة، الانطباع العام يتحدث عن نفسه ـ لامبالاة واسعة النطاق بالانتخابات: "والوضع باق كما هو – ولن يكون هناك تغيير. من الأفضل عدم التصويت بديلاً عن إعطاء صوتك لمن لا يستحقه"، فيما يتساءل كثير إن كان التصويت مجدياً أصلاً: "إذا صوتت، سيصل نفس الأشخاص إلى السلطة. وإن لم تصوت، فسيحدث الشيء نفسه". معظم الأحزاب أو التحالفات الانتخابية في البلاد متحالفة على أساس ديني أو عرقي. هذا يعني أن هناك أحزاباً شيعية، وأحزاباً سنية، وأحزاباً كردية تتوافق فيما بينها. وينعكس هذا أيضاً في توزيع المناصب والمكاسب. وقد نشأ اتفاق من الناحية القانونية غير دستوري، أصبح عرفاً أن يكون الرئيس كردياً، ورئيس الوزراء شيعياً، ورئيس البرلمان سنياً. وتلتزم جميع القوى السياسية حالياً بهذا الاتفاق.
يبقى أن ننتظر لنرى كيف سيتصرف أحد أبرز الشخصيات السياسية العراقية الذي يجمع بين الكاريزما الدينية والقومية والشعبوية الاجتماعية، ويعتبر السياسي الأكثر شعبية في البلاد ودعا إلى مقاطعة الانتخابات ولم يترشح حتى للبرلمان، رجل الدين الشيعي السيد مقتدى الصدر. فهو إذ أعلن مراراً "أن كلاً مَن في السلطة فاسد". وهذا أحد أسباب دعم الشعب له، ولو أراد حشد أتباعه ضد الحكومة لأطاح بها في خمس دقائق. رسمياً، انسحب الصدر من الساحة السياسية، لكن كلمته لا تزال مؤثرة. ودعا أتباعه، الذين يقدر عددهم في عموم البلاد بنحو ثمانية ملايين، إلى مقاطعة الانتخابات. يتساءل بعض السياسيين والمراقبين:
السؤال: هل سيستخدم الصدر سلطته بعد الانتخابات للتأثير على تشكيل الحكومة؟ قد يكون هذا عاملاً حاسماً بالنسبة للسوداني، الرجل الذي يحب أن يصور نفسه مهندس بغداد، بولاية أخرى. فيما ينسب البعض إلى السوداني الفضل في استقرار العراق وأمنه اليوم أكثر من أوقات سابقة من بعد سقوط نظام صدام ـ لذا ـ يفترض الخبراء أنه سيخرج من الانتخابات أقوى. مع ذلك، بقاؤه رئيساً للوزراء أمراً غير مؤكد: "انتخابه رئيساً للوزراء سيعتمد ـ بالتأكيد ـ على مهارته في بناء التحالفات" وضمان دعم بعض الأحزاب السنية والكردية، من بين أحزاب أخرى. قد يستغرق تشكيل حكومة جديدة أسابيع أو حتى أشهر، فالتنافس على المناصب يثني الكثير من الناخبين، والديمقراطية العراقية الناشئة تعاني من نقاط ضعف عديدة، إذ وردت في الأيام الأخيرة تقارير عن عمليات شراء بعض النواب الجدد وسلخهم عن كياناتهم.
السؤال المهم أيضاً: هل يمكن للحكومة المقبلة البناء على بعض الدعوات التي أطلقها السوداني؟ وهناك لا تزال تحديات كبيرة، فعليه ومعنوية. لا يزال التعايش بين الشيعة والسنة محفوفاً بالتوتر. وتتميز العلاقات بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق بصراعات على السلطة وصراعات مالية. علاوة على ذلك، تمارس الولايات المتحدة، القوة المحتلة سابقاً، نفوذاً على الحكومة العراقية، وكذلك إيران المجاورة التي تدعم الميليشيات المسلحة في العراق. ومن المرجح أن يكون مدى موازنة هذا النفوذ وإبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على الاستقرار الذي تحقق بشق الأنفس في البلاد.
في أعقاب الإعلان الرسمي للمفوضية عن نتائج الانتخابات التي تظهر صورة غير مثالية لفرز من بين الجميع "الكتلة الأكبر" التي يمكن لها أن تسيطر على أغلبية المقاعد البرلمانية. سيبقى الصراع السياسي محتدماً حول تشكيل الحكومة العتيدة. وإن تحقق عبر "تحالفات المصالح" سيتسم بصراع على السلطة بين الحكومة والمعارضة، بالإضافة إلى دعوة الصدر لمقاطعتها. المشهد برمته يسوده التوتر، حيث يخضع توزيع السلطة الهش في البلاد للتدقيق وصراع النخب الحاكمة على المناصب. فيما تتحدث المعارضة عن عدم رضا عن النتائج، ولا يزال الشعب يشعر بخيبة أمل في ظل جمود سياسي يؤخر تشكيل الحكومة ويؤدي إلى إحباط شعبي.
الحقيقة: لم يكن لدى السكان سوى توقعات قليلة من النظام السياسي، حيث لم تحقق الانتخابات، ولن يتحقق ما بعدها، ما يطمح إليه المواطن من أحلام الأمن والحرية والديمقراطية والعدالة ومحاسبة الفساد والفاسدين، مما يزيد من منسوب تفاقم الأجواء المتوترة أصلاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram