علي حسين
في بلاد وادي الرافدين تدور بين الحين والآخر حرب ضروس على مواقع التواصل الاجتماعي، وفيها يخرج علينا البعض ليثيروا فاصلا من الردح "المناطقي"، مع سؤال طريف وخفيف: هل يجوز أن يسكن مواطن من مدينة العمارة في مدينة الحلة؟، وهل مسموح لعائلة من الأنبار أن تستأجر بيتا في البصرة؟ وهل سكان شمالي الناصرية مسموح لهم بالإقامة في ربوع جمهورية كربلاء؟ حديث البعض عن الوافدين الذين خربوا مدنهم "الزاهية" والردود الغاضبة على مثل هذه الموضوعات التي تجاوزتها الشعوب والدول ، مثلما ستصبح الصولة التي تقوم بها بعض المحافظات على الفقراء الذين تجاوزوا على أملاك الدولة "المصونة" مضحكة وتدخل في باب السؤال الأهم: ترى لماذا ينظر البعض إلى مواطني بلدهم نظرة قاصرة، وكأنهم شعوب نزحت من مناطق نائية؟، وقبل أن يتهمني البعض بأنني ضد القانون وأن العشوائيات تتسبب بصداع في رأس العديد من المحافظات ومنها بغداد.. دعوني انقل لكم هذا الحوار الذي جرى بين محافظ النجف ومواطن عراقي يسكن النجف :
• وين أهلك أنت، من يا محافظة؟
- من الديوانية
• شعندك يمنه حجي؟
جاء هنري كسينجر إلى أميركا صبياً ولم يصبح مواطناً أميركياً، إلا بعد أن بلغ الثامنة عشرة من عمره، لكنّ هذا لم يمنع البيت الأبيض من أن يسلّم مفاتيح سياسته الخارجية بيد هذا الألماني القصير القامة، بعد كسينجر حملت البولونية أولبرايت هموم الخارجية الأميركية، فيما سُلّم للأفغاني زلماي خليل ملفاً خطيراً ومهماً مثل ملفّ العراق.
ولا أريد أن أُذكّر جنابكم الكريم بأن الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي ابن مهاجر من المجر، ولم تقم قائمة الإعلام ولا الفضائيات حين قالت الحاجة الكينية سارة عمر، جدة باراك أوباما: اللهمّ أدخل حفيدي أوباما الإسلام. وقد جعلت فرنسا رشيدة داتي وزيرة للعدل من دون أن تسألها لماذا ولدت في المغرب.. فيما أصرت كندا على أن تضع مهاجرة من هاييتي على كرسي الحاكمة العامة للبلاد، ، وجلس الهندي المسلم زهران ممداني على كرسي عمدة نيويورك ، المدينة التي تتحكم باقتصاد الولايات المتحدة الامريكية دون أن يسأله أحد : أنت من ياعمام ؟
لقد ألغت الأنظمة المتسامحة الحدود الجغرافية، وأصبح البحث عن الأصول اختراعاً عراقياً بامتياز، حُرم مئات الآلاف من العراقيين من حقوق المواطنة وهُجّروا وبيعت ممتلكاتهم ، لأنّ القائد المؤمن كان يشك في أصولهم!.
عندما يقرر البعض أن يبيح لنفسه اللعب على الحبال، مرة تجده يهتف بالطائفية ومرات بالمناطقية، والأقسى أن يقول البعض متفاخرا أن العراق مشروع عة ، ثم يبتسم للكاميرا ليلقي قصيدة في مدح احدى دول الجوار .









