ميسان / مهدي الساعدي
عودة العنف العشائري في ميسان، الذي خلّف ضحايا ومصابين، أعاد المحافظة إلى مربع عدم الاستقرار الأمني، ولاسيما بعد العملية الأمنية الشهيرة التي جرت بإشراف وتنفيذ مباشر من قبل وزير الداخلية.
تفاقم الوضع الأمني يُعد إحدى أبرز المحطات التي شهدتها المحافظة بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وربما يتكرر ذلك مستقبلاً، نتيجة عدم السيطرة على المشهد الأمني وفشل عمليات حصر السلاح بيد الدولة، واستمرار النزاعات العشائرية، ما يعني غياب أي ضمانة لعدم عودتها.
حادثة علي الغربي
أعادت أخبار مقتل وإصابة أكثر من عشرة أشخاص في قضاء علي الغربي شمال مدينة العمارة مطلع الأسبوع الجاري، المياه الراكدة. ورغم أن الحادثة لم تكن الأولى في المحافظة التي تشهد نزاعات مسلحة متلاحقة، فإنها كانت الأبرز. وفي هذا السياق، أوضح أحد أبناء القضاء، أحمد سعد، لصحيفة «المدى»: «على الرغم من أن الحادث وقع بعيداً عن مركز القضاء وقريباً من حدود محافظة واسط، فإنه عكس للأسف سمعة غير جيدة عن القضاء الذي يشهد استقراراً أمنياً. وكانت الأسباب الرئيسية للحادث نزاعاً على قطعة أرض زراعية تطور إلى استخدام السلاح وأسفر عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة ستة آخرين».
وأضاف: «للأسف الشديد، تصدّر الخلاف على قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها نصف دونم بين أفراد من عشيرتي المعامرة والرفيع واجهة الأخبار بسبب ما خلفته الحادثة».
وأوضحت قيادة شرطة ميسان في بيان حول الحادث، الذي وصفته بـ«مشاجرة» اندلعت بسبب «خلافات تتعلق بالحصص المائية والأراضي الزراعية» في إحدى المناطق الريفية المتداخلة والحدودية بين قضاء علي الغربي وناحية شيخ سعد التابعة لمحافظة واسط. وجاء في البيان الذي اطلعت عليه «المدى»: «الحادثة تبعد أكثر من 20 كم عن مركز القضاء. وقد تدخلت الأجهزة الأمنية بشكل فوري وحازم للسيطرة على الموقف، وأسفرت الإجراءات عن ضبط عدد من العجلات والأسلحة النارية المستخدمة، إضافة إلى القبض على عدد من المتورطين تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم».
غياب خطط أمنية
أعرب مهتمون بالشأن الأمني في ميسان عن خيبة أملهم من الخطط الموضوعة للحد من النزاعات العشائرية واستخدام السلاح. ولخص المراقب الأمني عبد الأمير محمد هذا الموقف في حديثه لـ«المدى» قائلاً: «لم تُطرح أي خطط حقيقية للسيطرة على الاستخدام المفرط للسلاح، بل كان هناك مجرد إعلان عن تكثيف الوجود الأمني. هناك جماعات تنتمي إلى جهات سياسية، وخصوصاً جماعات عشائرية، لا يستطيع أحد تجريدها من السلاح، والجميع يدرك ذلك. إضافة إلى وجود عشائر قوية تخشى الأجهزة الأمنية نفسها الاصطدام معها».
وبيّن: «السلاح منتشر بكثرة في المحافظة، وتجارته رائجة، ولا يمكن لأي خطة الحد من انتشاره ما دامت لم تستهدف منابعه، ولم يُطبّق القانون على جميع أبناء المحافظة».
وأرجعت مصادر مسؤولة في حكومة ميسان المحلية أسباب انحدار الوضع الأمني وعودة النزاعات العشائرية إلى غياب الخطط «الوقائية». وفي هذا السياق، قال رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة ميسان، قاسم عيسى، في تصريحات إعلامية تابعتها «المدى»: «شهدت ميسان مؤخراً نزاعات عشائرية أوقعت ضحايا بسبب عوامل عديدة أبرزها غياب الخطط الوقائية لا العلاجية. القوات الأمنية لم تتنصل عن دورها، لكنها تكتفي دائماً بالسعي لعلاج المشكلات والنزاعات ولا تعمل على الوقاية منها».
ونوّه بأن «النزاعات في المحافظة متجذرة بسبب طبيعتها الاجتماعية وتكرار الأزمات الاقتصادية وغيرها، وهذا الواقع يحتاج إلى خطط وقائية تحد من تفاقم النزاعات التي لا حل لها إلا بتكاتف الجميع».
تغييرات محتملة
شدّد متابعون للشأن الأمني في المحافظة على وجود نوايا جدية لدى الحكومة المحلية لإجراء تغييرات في مواقع القيادات الأمنية. وفي هذا الإطار، قال المتابع الأمني جواد غانم لـ«المدى»: «هناك امتعاض كبير وواضح لدى مجلس المحافظة من التدهور الأمني المتواصل، خصوصاً بعد انتهاء الانتخابات النيابية وما تلاها من أحداث، إضافة إلى المهاترات الإعلامية على مواقع التواصل، وظهور نزاعات أثرت على سمعة المحافظة رغم أنها لم تكن ضمن التوقعات».
وأضاف: «ومن أجل تهدئة الانتقادات الشعبية بعد الحملة التي قادتها وزارة الداخلية، حان وقت إظهار دور الحكومة المحلية».
ولم يطل الوقت قبل أن تظهر هذه النوايا إلى العلن. فقد لوّح القائمون على إدارة المحافظة بالتغييرات بشكل واضح، وهو ما ظهر في تصريحات رئيس مجلس محافظة ميسان، د. مصطفى دعير، لقنوات إعلامية تابعتها «المدى»، حيث قال: «القيادات التي كُلّفت بمهام أمنية في المحافظة لا تمتلك رؤية أمنية، وهي بعيدة عن طبيعة المهام المكلفة بها. وبعد أن استبشرنا بخطة تنهي النزاعات العشائرية وتفرض القانون بالكامل، تبيّن أن المتحقق عكس ذلك».
وأكد أن «مجلس المحافظة اتخذ قراراً بتوصية إقالة قائد شرطة ميسان، ورغم أن وزارة الداخلية لم تتخذ المعالجات، فإن موقف المحافظة واضح. نحن بصدد دراسة موضوع سحب قائد الشرطة لإلزام الحكومة بتكليف بديل جديد يحقق استتباب الأمن».










