TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > الأهالي يدفعون ثمن الإهمال: ارتفاع أسعار الماء وتراجع الموارد الطبيعية!

الأهالي يدفعون ثمن الإهمال: ارتفاع أسعار الماء وتراجع الموارد الطبيعية!

ذي قار تعلن توقّف الخطة الزراعية بالكامل!

نشر في: 20 نوفمبر, 2025: 12:05 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

تتحوّل الحياة في ذي قار تدريجياً إلى مشهد من الجفاف والخراب، أنهار ضامرة، أرض متشقّقة، وغبار يثقل أنفاس الأهالي. أزمة المياه لم تعد مجرد رقم في التقارير، بل واقع يومي يهدّد الزراعة والرزق ويجعل حياة السكان على حافة الانهيار، في حين ترتفع الأصوات المطالبة بخطة إنقاذ عاجلة تحمي ما تبقى من حياة طبيعية للمحافظة.

ذكر المواطن عدنان السعدون من قضاء الجبايش أن ما يعيشه أهالي ذي قار اليوم “ليس مجرد نقص مياه، بل انهيار تدريجي لكل ما تقوم عليه حياتهم اليومية”، مبيناً أن العوائل في المناطق القريبة من الأهوار “صارت تعتمد على شراء الماء بأسعار تثقل كاهلها، بعد أن كانت أنهارها موردَها الأول للشرب والزراعة وتربية المواشي”.
وأضاف السعدون في حديث لـ”المدى”، أن تقليص الخطة الزراعية إلى حدود الصفر “لم يحرِم المزارعين من رزقهم فقط، بل دفع الكثير من الشباب إلى الهجرة الداخلية بحثاً عن عمل، وتسبّب في تعطّل الدورة الاقتصادية في القرى والأرياف”، مشدداً على أن الجفاف “غيّر شكل الحياة في المحافظة وأدخل الناس في دائرة قلق يومي لا تتوقف”.
وبيّن أن توقف مشاريع الاستثمار في المناطق الخضراء “عمّق شعور المواطنين بالاختناق البيئي”، موضحاً أن مدينة الناصرية “تحتاج اليوم إلى كل متر أخضر يمكن أن يخفّف من الحرارة والغبار والتلوث، وليس إلى مزيد من الخرسانة”.
وأكّد السعدون أن الأهالي يشعرون بأنهم يتحمّلون كلفة أزمة لم يصنعوها، مضيفاً: “نحن ندفع ثمن تأخر الحلول، وغياب التنسيق، وضعف الإدارة على مستوى المؤسسات المعنية. المحصلة أن المواطن أصبح الحلقة الأضعف، بينما القرارات الحاسمة ما زالت معلّقة”.
وطالب بخطوات عاجلة تضمن حصصاً مائية عادلة، وتعيد إحياء الأراضي الزراعية، وتوفّر بدائل حقيقية للعوائل التي فقدت مصادر رزقها، مشدداً على أن “إنقاذ ذي قار لم يعد مطلباً خدمياً، بل مطلب حياة”.

وضع المياه “مقلق”!
وكشف رئيس لجنة التصحّر والجفاف في مجلس محافظة ذي قار، حيدر السعدي، عن تصاعد خطورة أزمة الجفاف في المحافظة وتراجع الخزين المائي إلى مستويات مقلقة، مؤكداً أن المجلس يواصل تنسيقه مع الجهات الحكومية والوزارات ذات العلاقة لإيجاد حلول عاجلة.
وقال السعدي في حديث لـ”المدى” إن “توصيات رئيس مجلس المحافظة متواصلة مع الدوائر المحلية والوزارات المعنية، وقد طُرحت خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير أهمية معالجة أزمة الجفاف ومتابعة الإجراءات التنفيذية مع الوزارات المرتبطة مثل البيئة، وإنعاش الأهوار، ودائرة المياه التي تبذل جهوداً لتأمين التدفقات المائية نحو المحافظة”.
وأضاف أن “وفداً عراقياً يضم مختصين وفنيين توجّه مؤخراً إلى تركيا لعقد جولة تفاوضية مهمة بشأن ملف المياه، في ظل تراجع الخزين من أربعة مليارات متر مكعب إلى نصف مليار فقط، وهو ما يشكّل تهديداً خطيراً لمستقبل المحافظة المائي والزراعي”.
وأوضح السعدي أن “الخطة الزراعية في ذي قار تقلّصت بشكل كبير، إذ تم خفضها من 385 ألف دونم إلى 25 ألف دونم فقط، قبل أن تصل اليوم إلى مرحلة صفرية تقريباً، بسبب غياب الضمانات المتعلقة بالإطلاقات المائية من المصادر الرئيسة”، مشيراً إلى أن “المجلس يتابع مع لجنة الأمر الديواني 30 مسألة تحديد الأضرار وآليات تقاسمها مع المحافظات الأخرى المتأثرة بالجفاف”.
وبيّن السعدي أن “اللجنة تواصل مراقبة التجاوزات على الحصص المائية ومتابعة مسارات الإطلاقات لضمان وصولها إلى جميع المناطق بشكل عادل”، محذّراً من أن “استمرار الانخفاض في الخزين المائي سيؤدي إلى تفاقم الأزمات البيئية والزراعية في الأسابيع المقبلة”.
وبشأن ملف الاستثمار في كورنيش الناصرية، أوضح السعدي أن “المحافظة تعاني من مستويات مرتفعة من التصحّر والجفاف، وهو ما تسبب بارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسب التلوث في المدينة التي تفتقر أساساً إلى المساحات الخضراء والمتنفّسات العامة”، مضيفاً أن “الحكومة المحلية قررت إيقاف مشاريع الاستثمار في هذه المناطق حفاظاً على ما تبقى من الرقعة الخضراء، مع العمل في الوقت ذاته على رفع مستوى التشجير وزيادة الأراضي الزراعية للحد من مظاهر الجفاف والتلوث”.

إخفاق حكومي!
قال الناشط البيئي حسين الأهْواري إن أزمة الجفاف في ذي قار “تكشف اليوم عمق الإخفاق الحكومي في إدارة ملف المياه، ليس فقط على مستوى المحافظة، بل على مستوى الدولة ككل”، مؤكداً أن المشكلة “لم تعد بيئية فحسب، بل تحولت إلى أزمة سياسية تتعلق بغياب الموقف التفاوضي القوي مع دول المنبع، وضعف الإرادة الداخلية في تطبيق العدالة المائية بين المحافظات”.
وأضاف الأهْواري لـ”المدى”، أن تراجع الخزين المائي إلى نصف مليار متر مكعب فقط “يمثل إنذاراً كارثياً يهدد محافظة كاملة بفقدان مواردها الطبيعية والزراعية”، محمّلاً الجهات الرسمية مسؤولية “سنوات من التأجيل والتردد في اتخاذ قرارات حازمة بشأن إدارة الموارد المائية ومحاسبة المتجاوزين على الحصص”.
وأكّد أن زيارات الوفود العراقية لتركيا “خطوة لا يمكن البناء عليها ما لم تترافق مع رؤية سياسية أوسع، تضع ملف المياه في صدارة السياسات الخارجية وتتعامل معه كقضية سيادية، وليس كملف تفاوضي ثانوي يتم تحريكه في الأزمات فقط”.
وأشار إلى أن “استمرار تجاهل التخطيط المناخي وضعف التنسيق بين الوزارات والمحافظات يعني أن ذي قار ستتجه نحو صيف أكثر قسوة”، داعياً الحكومة الاتحادية ومجلس النواب إلى “تفعيل التشريعات الرادعة للتجاوزات المائية، وفرض إدارة علمية للموارد، وإعادة النظر في أولويات الإنفاق العام لصالح مشاريع مكافحة الجفاف والتصحّر”.
وتابع بالقول إن “سكان ذي قار يشعرون بأنهم يدفعون ثمن فراغ سياسي وبيئي مستمر، وأن إنقاذ المحافظة لم يعد خياراً مؤجلاً، بل استحقاقاً وطنياً يجب أن تتكاتف من أجله كل الأطراف”.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لأول مرة بعد الانتخابات…

لأول مرة بعد الانتخابات… "الإطار" يتسلّم "قائمة مرشّقة" لمرشحي رئاسة الحكومة

بغداد/ تميم الحسن للمرة الأولى منذ قرابة شهر، يتلقى "الإطار التنسيقي" قائمة شبه نهائية بأسماء المرشحين لمنصب رئيس الحكومة المقبلة. ورغم هذا التطور، لا تزال الافتراضات بشأن موعد حسم مرشح رئاسة الوزراء غامضة، مع...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram