يبدو أن مصير هوغو شافيز، رئيس فنزويلا والأمل في التطور نحو الافضل في اميركا اللاتينية يتأرجح في الميزان، فقد ظهر شافيز في التلفزيون متحدثاً لشعبه عن مرضه بالسرطان والذي بدأ يعالج منه منذ العام الماضي، قد تطور نحو الأسوأ إلى حد كبير، مما جعله يغادر الى هافانا للعلاج وإجراء عمليات جراحية أخرى.
وكان شافيز في حالة سيئة، يعاني من الألم الشديد، ومستعيداً ذكرى سيمون بوليفار، محرر أميركا اللاتينية في القرن الـ 19، قال شافيز في حديثه ملمّحاً انه قد لا يكون موجوداً أو حاضراً للمرحلة التالية من الثورة البوليفية، كما انه أعلن بوضوح اسم من سيخلفه في الحكم، والذي يوصي الناس التصويت له في الانتخابات، متى يحل الأوان لذلك وانتخاب نائبه نيقولاس مادورو (منذ تشرين الأول الماضي، ووزير الخارجية منذ 2006). وفي يوم الأربعاء الماضي، وبعد عملية استغرقت ست ساعات أعلن مادورو، بصوت حزين، إن شفاء الرئيس سيكون امرأ صعباً ومعقداً.
وتبدو الحالة العامة في كاراكاس وعبر فنزويلا بأجمعها كئيبة بدءاً من الوزراء إلى سكان الأكواخ في الأحياء الفقيرة، ومرحلة الـ 14 سنة من حكم شافيز (ذي الشعبية الكبيرة)، موشكة على الانتهاء.
وهناك جدول أعمال أعدت لعدة اسابيع تالية، ففي يوم الأحد سيتم انتخاب حكام الـ 28 ولاية في البلاد، وهي الآن في أيدي المؤيدين لشافيز، وفي الـ 15 من كانون الثاني، سيقام احتفال كبير، وكان شافيز قد فاز بالرئاسة في انتخابات تشرين الأول الماضي، حيث كان من المؤمل تجديد رئاسته ستة أعوام قادمة، وهناك تاريخ مهم آخر بالنسبة لهم وهو الـ 17 من كانون الأول، الذي يشير إلى تاريخ وفاة سيمون بوليفار، الذي توفي في (سانتامارتا) كولومبيا، وهو في سن الـ 47، بسبب السل، كما يرجح، فهل شافيز البالغ 58 سنة، في انتظار ذلك التاريخ ايضاً!
وان حدث ذلك، فان الدستور في فنزويلا سيبرز الى الوجود للعمل به، والذي يتوجب حسب بنوده، ترشيح ديوسدادو كابيللو، رئيس الجمعية العامة، ورفيق سلاح قديم لشافيز، للدعوة إلى إجراء انتخابات في غضون 30 يوماً.
وسيكون مرشح الحكومة كابيللو وهو منافس من اختاره شافيز – مادورو. وفي حالة شفاء شافيز وقتاً أطول ليشهد يوم إعادة تنصيبه رئيساً في كانون الثاني ثم يموت بعد ذلك، فان مادورو، كنائب للرئيس، سيخلفه في المنصب، دون أي حاجة لانتخابات جديدة.
وفي الانتخابات المقبلة للولايات الـ 28، سيكون التنافس كبيراً بين المرشحين لها، وخاصة بين أولئك الذين رشحوا أنفسهم في الانتخابات الرئاسية السابقة.
ومن الواضح أن فنزويلا شهدت تغييرات دستورية واضحة في خلال الاعوام الـ 14 الماضية، خاصة بعد الارتفاع الكبير بالنسبة لإيرادات النفط التي تدافعت على البلاد، واستغلها شافيز، لتخفيف معاناة المناطق الفقيرة، والتي لن تزول إلا بعد عدد من العقود الزمنية، والتي أرست قاعدة متينة كالصخر لتأييد شافيز، كما ان شافيز سيترك خلفه فريقاً من الوزراء الأكفاء على رأس الحكم، واغلبهم كان يدير البلاد بسعادة في الأعوام الأخيرة، وهم يقاسمون شافيز آراءه الراديكالية، ويجدون في مادورو، رفيقاً للقائد.
إن ما ستفقده فنزويلا، هو بريق عبقرية والجاذبية الشخصية القيادية التي دفعت البلاد إلى المسرح العالمي، لقد كان شافيز أهم شخصية في أميركا اللاتينية منذ ظهور فيدل كاسترو، قبل أكثر من نصف قرن، لقد أسر شعبه وسحر ايضاً قارة أميركا اللاتينية، مثل كاسترو، الذي كان تأثيره كبيراًُ في العالم اجمع.
إن استقرار فنزويلا مستقبلاً سيكون على المحك، ولكن المشكلة الأكبر هي الثورة البوليفارية في أميركا اللاتينية، إذ كان شافيز يرى ضرورة اتحاد القارة، وقطع عدة أشواط في ذلك الطريق، وكان هو القوة الدافعة للعملية، وعملية تأسيس منظمة أناسور في عام 2008، القارّية – بدون تواجد الولايات المتحدة الأميركية، كانت خطوة كبيرة الى الأمام.
وهي منظمة تضم 8 دول، تعتمد على تحالف متين ما بين فنزويلا وكوبا- وهي رؤية مستقبلية لما حلم به سيمون بوليفار، وهي تعكس النظرة العميقة لشعب اميركا اللاتينية في الاستقلال التام.
إن زوال قيادة شافيز، فإن الدول الأخرى قد تجد صعوبة في الائتلاف، فان راؤول كاسترو أو من سيليه، قد يجد ان الصداقة مع أميركا، هو الخيار الأفضل، ومن المؤمل أن يكون إيفو موراليز، بوليفيا، هو الزعيم المحبوب الذي قد يأخذ مكان شافيز، ولكن هل بإمكان هندي ومن دولة صغيرة قيادة قارة، حيث التحييز ما يزال مشكلة فيها. وهذا الأمر نفسه ينطبق على رافييل كوري الإكوادور، وهو قائد ذكي من دولة صغيرة أخرى، لديه شيء من مخيلة شافيز ولكن دون مصادر الثروة الوطنية التي لها تأثيرها، وكذلك الأمر مع رئيسة الأرجنتين، كريستينا دي كيريشنر المحبوبة وذات الشعبية داخل بلادها، وكأنها تعيد تراث عائلة بيرون.
إن ما ورد سابقاً، قد يتضمن نظرة غير متفائلة للظل الذي سيتركه شافيز على قارة أميركا اللاتينية في الأعوام القادمة، وتظل إلى الأبد، تستحضر الحلم القوي الذي لا يمكن مقاومته لسيمون بوليفار، صورة قائد ديمقراطي وغير فاسد، الذي نادى ذات مرة تغيير تأريخ القارة، حلم سيبقى حياً في القرن الـ 21.