زينب ربيع
وأنا اتتبع كل ما من شأنه أن يستذكر دور التلفاز، لا بوصفه جهازًا بقدر ما هو ارتكاز، فالمحتوى المرئي الذي يخرج عبر شاشة العرض ليس إلا “الطبق الجاهز” لسلسلة عميقة من عمليات تشبه الطب ؛ "فإما طعامٌ لذيذ مفيد… أو كلامٌ بذيء بليد".
منذ أن أخذ الفضاء الرقمي مساحته الكبيرة، وانتشرت المواقع والمنصات على حساب الصحف والمجلات وبقية الإعلام التقليدي، كان الجميع يراقب كيف تنتقل ثقافة الشاشات إلى المنصات، لكن ما لم يكن في الحُسبان هو كيف انعكست المعادلة إلى الحد الذي تلاشت فيه المحددات، وأسقطت وسائل التواصل الاجتماعي معاييرها على التلفزيون، لتمتحن بعض المساحات الحوارية وتحوّلها إلى مسارح استعراض رخيصة.
يؤسفني ما اراه من انحدار وإسفاف في بعض البرامج السياسية، بعد أن وصل الحال ببعض المستضافين الى أن يقبل الإهانة من نظيره او من مقدم البرنامج نفسه، وعتبي أيضًا على بعض الزملاء من المقدمين الذين ينساقون ليكونوا جزءًا من هذا الانحدار.
هذا المشهد ليس صدفة، بل نتيجة لهيمنة الفضاء الافتراضي على الواقع، حتى سلبت من الكثيرين ذواتهم، بات بعضهم يشعر بأنه “لا شيء” ما لم يؤثّر على صورته في الهاتف أو يشاهد نفسه عبر الشاشة، وأصبحوا في حالة بحث محموم عن أنفسهم من خلال التواصل الاجتماعي.
وحين يجد أحدهم جزءًا من ذاته هناك، يشعر بأنها بداية التأثير، والتأثير في نظرهم يقود إلى المكاسب، والمكاسب غالبًا ما تكون مادية، لكنهم يتناسون انه حتى المكسب المادي سرعان ما يتلاشى تدريجياً وقد يجد صاحبه نفسه عاطلا عن العمل.
أيها الزملاء الأعزاء: العمل الإعلامي هو عمل تراكمي يأتي بالجهد والمتابعة والمثابرة حتى يولد زرعاً متكاملاً ناضجاً، فأذا تأثرتم ببعض من يسمون زوراً "مشاهير" والذين هم ليسوا اكثر من بالونات سرعان ما تنفجر ومعها تنفجر كل الأكاذيب الزائفة، ومن يتبعهم بسوء إلى يوم الدين!











جميع التعليقات 1
حميد الساعدي
منذ 3 أسابيع
بعد التحية و فائق الاحترام تعجبني منشورك و حعلني استقبل دعوتك بكل اهتمام