TOP

جريدة المدى > محليات > العجز المالي يوسع الفقر.. النساء والأطفال في دائرة الخطر

العجز المالي يوسع الفقر.. النساء والأطفال في دائرة الخطر

نشر في: 23 نوفمبر, 2025: 12:02 ص

 متابعة / المدى

 

بينما تنشغل القوى السياسية بتشكيل الحكومة الجديدة، يواجه العراقيون واقعاً أكثر إلحاحاً: اقتصاد يتراجع، ومشاريع متوقفة، وضغوط مالية تتسع يوماً بعد يوم. وتُظهر الأرقام الرسمية أن الإنفاق يفوق الإيرادات، وأن جزءاً من الاحتياطي الأجنبي بدأ يُستهلك لتغطية الحاجات اليومية، فيما تعمل البلاد من دون موازنة واضحة لعام 2025.

 

لكن أخطر ما في الأزمة ليس العجز المالي وحده، بل أثره المباشر على المجتمع، خصوصاً النساء والأطفال الذين يزداد عددهم داخل دائرة الفقر. ففي بلد ما زال نصف أطفاله يعاني حرماناً متعدد الأبعاد، وتواجه نساؤه تحديات اقتصادية واجتماعية متصاعدة، يبرز سؤال جوهري: كيف سيؤثر هذا الواقع على مستقبل المجتمع العراقي خلال السنوات المقبلة؟
توضح البيانات الرسمية من وزارة التخطيط والبنك المركزي أن العراق يدخل عام 2025 بوضع مالي صعب، خاصة مع عدم وجود موازنة جديدة واضطرار الدولة للصرف وفق قاعدة 1/12 من موازنة السنة الماضية. ووفق قانون الإدارة المالية، تعني هذه القاعدة أن الحكومة تستطيع صرف الحد الأدنى فقط لتسيير الرواتب والخدمات الأساسية، من دون إطلاق أي مشاريع جديدة.
وتشير وزارة التخطيط إلى أن الإنفاق الحكومي ما يزال مرتفعاً، بينما تبقى الإيرادات غير النفطية ضعيفة، مما يجعل اعتماد الدولة على النفط شبه كامل. وفي الوقت نفسه يبيّن تقرير البنك المركزي أن الاحتياطي الأجنبي شهد انخفاضاً خلال عام 2024 بنسبة تقارب 10%، وهو مؤشر على زيادة الضغوط المالية.
وتقول الوزارة إن هذا الوضع يحتاج إلى موازنة واضحة وخطة مالية مستقرة، خاصة مع قرب إطلاق استراتيجية مكافحة الفقر 2026–2030، التي تعتمد على توفر تمويل حكومي لتقليل الفقر وتحسين الخدمات.
الخريطة التي أعلنتها وزارة التخطيط تُظهر تفاوتاً واضحاً بين المحافظات. فقد تحسّنت أوضاع بعض المناطق مثل المثنى وذي قار ونينوى نتيجة تقدم الخدمات وبرامج الإعمار في المناطق المتضررة بالحروب أو ضعف البنى التحتية، إلا أن نسب الفقر ما تزال مرتفعة. بينما شهدت محافظات أخرى مثل بابل والأنبار والبصرة ارتفاعاً بسيطاً في معدلات الفقر بسبب ضغط السكان وارتفاع كلف المعيشة وعدم استقرار فرص العمل.
وتُظهر بيانات المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسر نهاية عام 2024 أن نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 17.5% بعد أن كانت تتجاوز 25% في السنوات الماضية. وهذا يعني أن الفقر انخفض فعلاً، لكنه ما يزال يضغط على ملايين الأسر في مختلف المحافظات، ولا سيما الجنوبية.
الأرقام الدولية تشير إلى أن مشاركة النساء في قوة العمل لا تتجاوز 10–11%. غير أن الخبيرة الاقتصادية د. إكرام عبد العزيز تؤكد أن الصورة على الأرض مختلفة، وتقول إن النساء موجودات في مفاصل الدولة من الوزارات والهيئات إلى الجامعات والمستشفيات، إضافة إلى حضورهن في القطاع الخاص. وترى أن القانون العراقي لا يميز بين الرجل والمرأة في الأجور، وأن النساء يشغلن مناصب مهمة في الدوائر الحكومية. وتبيّن أن الأرقام الرسمية لا تحسب العمل غير الرسمي الذي تقوم به النساء داخل البيوت أو في مشاريع صغيرة، ما يجعل الصورة الإحصائية غير مكتملة.
وتشير إلى وجود فجوة بين التعليم وسوق العمل، إذ يعمل عدد كبير من النساء خارج اختصاصاتهن بسبب غياب التخطيط، بينما يستوعب القطاع الخاص عاملات في وظائف لا ترتبط بشهاداتهن. وتؤكد أن المرأة تؤدي دوراً اقتصادياً مهماً حتى وإن لم تظهر مساهمتها بوضوح في التقارير.
أما فقر الأطفال، فتصفه الناشطة البيئية والتربوية فرح سالم بأنه «أزمة صامتة». وتقول إن الفقر لا يقتصر على نقص الغذاء أو ضعف الدخل، بل يصنع أزمة عميقة في التربية والنمو. وتوضح أن الطفل الذي يعيش حرماناً متعدد الأبعاد يكبر وهو يحمل فجوات معرفية وصحية تؤثر على قدرته على التعلم والاندماج الاجتماعي. وترى أن الفقر يولد مشكلات مثل العنف والانحراف وفقدان الثقة بالمؤسسات بسبب شعور الطفل بالعجز والعزلة.
وعلى المستوى النفسي، تشير فرح إلى أن الأطفال الفقراء يمرون بصدمات تظهر في شكل قلق واكتئاب واضطرابات سلوكية وفقدان للدافع، ما يضعف مستقبلهم بالكامل. وتؤكد أن استمرار الفقر يعني خسارة رأس مال بشري كبير لأن جزءاً من الأطفال يضطرون للعمل في سن مبكرة في أعمال غير مؤهلة، ما يقلل إنتاجيتهم ويزيد كلفة الرعاية الاجتماعية على الدولة.
وترى الباحثة في سياسات تمكين المرأة زينة القره غولي أن فقر النساء والأطفال لا ينعكس على الدخل فقط، بل يغيّر الحياة داخل البيت والمجتمع. وتوضح أن كثيراً من النساء يضطررن للعمل في الاقتصاد غير الرسمي في ظروف تفتقر إلى الحماية الاجتماعية، بينما يستمر عبء الرعاية عليهن داخل البيت. وتقول إن هذا الوضع يقلّل فرص المرأة في التعليم والعمل المستقر، ويضع الأطفال أمام احتمالات التسرب الدراسي بسبب الحاجة للمساهمة في إعالة الأسرة.
وتحذر من أن الزواج المبكر يُستخدم أحياناً لتخفيف العبء الاقتصادي، ما يؤثر على البنات تحديداً. وتشير إلى أن الهجرة الداخلية والخارجية بحثاً عن العمل تفكك شبكات الدعم التقليدية وتعرض النساء والأطفال لمخاطر الاستغلال. كما تتراجع مشاركة النساء في الحياة المجتمعية والسياسية لأن الأسرة تنشغل بتأمين الاحتياجات الأساسية فقط. وترى أن تدهور مستوى الدخل يفرض خيارات غذائية رديئة تؤثر على نمو الأطفال جسدياً ومعرفياً، وتنعكس على قدراتهم المستقبلية.
وتحذّر من أن استمرار هذا الوضع قد يخلق «حلقة فقر» تنتقل من جيل إلى جيل، وتؤدي إلى تراجع التعليم وارتفاع العنف ضد النساء وتفكك المجتمع.

وتكشف بيانات وزارة التخطيط عن صورة مختلفة في إقليم كوردستان، حيث سجّلت محافظاته أدنى معدلات فقر في البلاد وفق نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي نهاية عام 2024. فبلغت النسبة في أربيل نحو 7%، وفي دهوك حوالي 8%، وفي السليمانية بين 8.5 و9%. ويعزى هذا التراجع إلى توفر الخدمات الأساسية وتحسن التعليم والصحة وتوفر فرص العمل واستقرار الأوضاع.
وتشير الوزارة إلى أن إقليم كوردستان شريك أساسي في إعداد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر 2026–2030، التي تهدف إلى خفض الفقر إلى النصف خلال خمس سنوات عبر تحسين الدخل والسكن والصحة والتعليم وتمكين النساء، وبالتعاون مع البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتبيّن المعطيات الاقتصادية والاجتماعية أن الأزمة في العراق لم تعد مجرد أرقام تتعلق بالعجز المالي أو غياب الموازنة، بل تحولت إلى مشكلة تمس حياة الناس بشكل مباشر، خصوصاً النساء والأطفال الذين يتحملون العبء الأكبر من تراجع الخدمات وتقلص فرص العمل. وتظهر آراء المتخصصات أن الفقر يعيد تشكيل الأسرة ويغيّر سلوك الأجيال ويضعف قدرات المجتمع على النهوض. وبينما تسجل بعض المحافظات، خاصة في إقليم كوردستان، نسباً أقل من الفقر، يبقى الطريق طويلاً للوصول إلى واقع اقتصادي واجتماعي أكثر استقراراً لجميع العراقيين.
ومع قرب بدء تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر للأعوام 2026–2030، تبدو الحاجة ملحّة لخطط واضحة وتمويل مستقر في القطاعات المؤثرة مباشرة على حياة الناس مثل التعليم والصحة والسكن وتمكين النساء. فمستقبل البلاد يعتمد على تحسين الظروف المعيشية اليوم وتثبيت أسس اقتصادية واجتماعية أكثر عدلاً للأجيال المقبلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

ذي قار تعيد فتح ملف تدوير النفايات وتتجه لاتفاق مع شركة بريطانية لإنتاج 100 ميغاواط من الطاقة
محليات

ذي قار تعيد فتح ملف تدوير النفايات وتتجه لاتفاق مع شركة بريطانية لإنتاج 100 ميغاواط من الطاقة

 ذي قار / حسين العامل     كشفت إدارة محافظة ذي قار عن تحرك رسمي لإعادة فتح ملف تدوير النفايات، والتوجه لعقد اتفاق مع شركة بريطانية متخصصة في هذا المجال، مشيرة إلى أن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram