متابعة / المدى
تشكو الجمعيات الفلاحية والمزارعون في محافظتي ذي قار وميسان من قرار وزارة الموارد المائية القاضي بوقف زراعة المحاصيل الزراعية واعتماد آليات محددة في الري، بالتزامن مع أزمة جفاف كبيرة تضرب العراق والمنطقة، وسط تحذيرات من تفاقم الوضع خلال السنوات المقبلة. ويهدف القرار الوزاري، وفق مختصين، إلى معالجة أزمة المياه، لكنه يتسبب في الوقت نفسه بمشاكل كبيرة للقطاع الزراعي، حيث تعتمد الأسر الفلاحية على العوائد المالية للمحاصيل.
ويقول رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية في محافظة ذي قار حسين الزيرجاوي إن «الوضع الزراعي في محافظة ذي قار منهار للغاية»، مطالباً الحكومة المركزية بـ«تغيير سياستها المائية وقراراتها المتعلقة بالزراعة». ويؤكد أن «زراعة النخيل في ذي قار والمحافظات المجاورة مثل ميسان توقفت، وتحولت الأراضي الزراعية إلى مساحات صحراوية، فيما لم تتخذ الحكومة الاتحادية قرارات مناسبة لمعالجة الوضع المائي والزراعي، ولم تغيّر سياستها في توزيع الحصص المائية».
ومع تفاقم الانهيار الذي يهدد معيشة العائلات الفلاحية، تبقى التظاهرات أحد الخيارات المطروحة للضغط من أجل التراجع عن قرار وقف الزراعة. ويشير الزيرجاوي إلى أنه «ستكون هناك مظاهرات فلاحية واسعة للمطالبة بحقوق الفلاحين المشروعة في الزراعة والإنتاج، وتنبيه الحكومة إلى معاناة الفلاحين والمزارعين». ويشدد على أن «الفلاح هو المنتج الأساسي للسلة الغذائية، وعلى الحكومتين الاتحادية والمحلية إجراء كشوفات ميدانية للتعرف على الواقع الزراعي وما تتعرض له القرى من تصحر»، لافتاً إلى أن «فلاحي المحافظة اتجهوا إلى الآبار الارتوازية في كربلاء والنجف وإلى مناطق الزبير في البصرة بعد أن أصاب الجفاف مناطقهم».
وكان وزير الموارد المائية عون ذياب قد أعلن في آب الماضي إيقاف زراعة المحاصيل بالكامل ابتداءً من مطلع أيلول/سبتمبر، نتيجة هبوط المخزون المائي إلى أدنى مستوياته منذ عقود. ويوضح الخبير الزراعي حسين الموسوي أن «قرار وزارة الزراعة والمجلس الزراعي تضمن زراعة ثلاثة ملايين ونصف المليون دونم بالاعتماد على المياه الجوفية، إضافة إلى زراعة مليون دونم بالمياه السطحية». ويشير إلى أن «هذه الإجراءات تعكس حالة من التخبط الواضح في قرارات وزارة الزراعة، وجاءت نتيجة الاحتجاجات الكبيرة من قبل الفلاحين ومخاطر الاعتماد على المياه الجوفية»، مؤكداً عدم وجود دراسات دقيقة حول كميات المياه الجوفية المستخدمة وصلاحيتها، وأن «ما هو موجود مجرد نماذج محدودة».
ويلفت الموسوي إلى أن «التقديرات السابقة كانت تشير إلى أن كميات المخزون المتجدد لا تتجاوز خمسة مليارات متر مكعب في عموم العراق»، مؤكداً «استهلاك كميات كبيرة منها خلال السنوات الأربع الماضية بصورة عشوائية». ويضيف أن «وزارة الموارد المائية تقوم بردم الآبار كما ردمت بحيرات الأسماك ضمن قرارات غير صحيحة وغير مدروسة، ويعود ذلك إلى السياسات الخاطئة في إدارة القطاع الزراعي». ويرى أن «قرار منع زراعة المحاصيل له تأثير سلبي كبير على الإنتاج، ويزيد من معدلات الهجرة، ومن الصعب عودة الأهالي إلى أراضيهم بعد ذلك». ويتابع: «في حال استمرار النزوح ستفقد المناطق خصائصها الإحيائية والفيزيائية، والمرحلة الحالية بمثابة ناقوس خطر يضاعف الاعتماد على الاستيراد ويرفع الكلفة على المستهلك، ويتسبب بمشاكل اجتماعية وصراعات خطيرة»، مؤكداً «وقوع مثل هذه الصراعات حالياً في ميسان، حيث فقد 13 شخصاً حياتهم بسبب النزاع على المياه».
ويواصل الموسوي بالقول إن «الإدارة الصحيحة للمياه واستخدام الأساليب المتطورة سيخففان من أزمة المياه، لأن الحكومات ما تزال تعتمد على المياه الاستراتيجية التي تستهلك كميات كبيرة، وهو ما تسبب في تراجع هذا الملف». وكانت وزارة الزراعة قد أعلنت الاثنين الماضي خطتها للموسم الشتوي، والمتضمنة اعتماد خمسة مصادر للمياه، وإلزام أصحاب البساتين باستخدام تقنيات الري الحديثة. ووفق مستشار الوزارة مهدي القيسي، ركزت الخطة على زراعة ثلاثة ملايين ونصف المليون دونم من محصول الحنطة بالاعتماد على الآبار وأنظمة الري الحديثة، واستخدام المسطحات المائية والأنهار والمياه السطحية كخيارات أخرى بشرط استخدام الري بالرش.
ويؤكد مدير الزراعة في ذي قار محمد عباس أن المحافظة «تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات الأكثر تضرراً بالجفاف، وبعد توقف الزراعة فيها فمن المتوقع توقف الإنتاج النباتي والحيواني أيضاً». ويوضح قائلاً: «أجرينا دراسات وأعددنا تقارير بشأن الجفاف والمساحات المزروعة، حيث كانت الخطة الزراعية سابقاً تتراوح بين 400 ألف دونم و120 ألف دونم، أما خطة العام الحالي فقد بلغت 100 ألف دونم للمحاصيل الحقلية». ويبين أن «المحاصيل البستانية تأثرت بشكل كبير جداً، خصوصاً البيوت البلاستيكية التي انخفض عددها من سبعة آلاف إلى ثلاثة آلاف بيت بلاستيكي». كما يشير إلى «فقدان 14 ألف رأس من الجاموس في مناطق الأهوار خلال السنوات الخمس الماضية، ونفوق 85 بالمئة من الثروة السمكية»، موضحاً أن «ذلك تسبب بهجرات داخلية وخارجية».
ويضيف عباس أنه «وفق مبدأ العرض والطلب ستؤدي قلة الإنتاج إلى ارتفاع الأسعار»، مبيناً أن «الخطة الزراعية الشتوية الحالية تشمل زراعة 150 ألف دونم بالاعتماد على مياه الآبار، و100 ألف دونم بالاعتماد على المياه السطحية». وأعرب عدد كبير من الفلاحين في ذي قار وميسان، وهما الأكثر تضرراً بالجفاف والقرارات الوزارية، عن استيائهم من وقف زراعة المحاصيل. ويقول المزارع نايف عبد العالي من ناحية الكحلاء في ميسان: «نعاني منذ سنوات من الجفاف، إذ تعرضت قرانا ومواشينا للعطش، وكانت أراضينا الزراعية، التي تضررت بشكل كبير، تُدار بجهود كبيرة عبر مختلف طرق الري». ويوضح أن «قرار وقف زراعة المحاصيل واشتراط استخدام منظومات الري بالرش جعلنا غير قادرين على الإنتاج ويعرض عوائلنا للخطر»، مضيفاً أن «هذه المنظومات باهظة الثمن ولا تكفي لتلبية احتياجاتنا في المحاصيل الصيفية والشتوية».
ويتساءل عبد العالي: «كيف سيكون حالنا مع توقف زراعة المحاصيل ومحدودية المساحات التي أقرتها الخطة الشتوية باستخدام منظومات الري بالرش؟». ومن جانبه يقول المزارع محسن محيبس من قضاء الفهود بذي قار: «الجميع يعلم بالجفاف الذي أصاب الهور في قضاء الجبايش وناحية الفهود وأدى إلى نزوح عائلات كثيرة، إلا أن بعض الأراضي الزراعية ما تزال قائمة وتعتمد على ما تبقى من مياه الهور والآبار في زراعتها». ويؤكد أن «الوضع أصبح سيئاً للغاية هذا العام، وعلى الحكومة إيجاد حلول مناسبة لتخفيف حدة الجفاف وتوفير المياه للأراضي الزراعية التي تمثل مصدر العيش الرئيسي».
كما لوّح عبد الكاظم مزبان من أهالي الشطرة بتنظيم «تظاهرات فلاحية واسعة للمطالبة بتوفير المياه للزراعة ووقف القرارات المجحفة»، مؤكداً أن «الزراعة هي مصدر عيشنا الرئيس ولا غنى لنا عنها، ولو هجرنا قرانا واتجهنا إلى المدن فلن يكون حالنا أفضل». ويشير إلى أن «تمسك الأهالي بأراضيهم الزراعية له ما يبرره، ولا تمتلك أي جهة الحق في حرمانهم من سبل العيش».
ويعد ملف المياه من أعقد الملفات وأكثرها تحدياً أمام الحكومة المقبلة، بعدما أسهمت التغيرات المناخية وانخفاض المياه الواردة إلى نهري دجلة والفرات في تفاقم أزمة الجفاف، التي انعكست بشكل كبير على حياة السكان في القرى والأرياف، ولا سيما في محافظات جنوب العراق.










