بغداد/ تميم الحسن
أعاد الإطار التنسيقي عقارب الذاكرة إلى خمس سنوات مضت، مع تزايد المؤشرات على عزمه اختيار رئيس وزراء بعيد عن “محور الفصائل”، وفقاً لما تسرّب من معلومات.
وشكّل التحالف الشيعي مؤخراً لجنتين؛ إحداهما معنية باختيار رئيس الحكومة، والأخرى بإدارة الحوارات مع القوى السياسية.
لكن أسماء أعضاء اللجنتين ما تزال موضع تضارب، وسط حديث عن احتمال أن تكون هذه اللجان جزءاً من محاولة “تشتيت الانتباه”.
والأسبوع الماضي أعلنت أحزاب في التحالف الشيعي، عقب صدور النتائج النهائية للانتخابات، أنها تُعِدّ نفسها “الكتلة الأكبر” في البرلمان.
وكشفت النتائج النهائية للانتخابات عن فوز القوى الشيعية بنحو 200 مقعد، بعد أن صوّت لها أكثر من 5 ملايين ناخب.
هواجس تكرار لحظة 2020
يجد “الإطار التنسيقي” نفسه اليوم في ورطة سياسية حساسة، مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الواجهة في لحظة تبدو شديدة الشبه بما جرى عام 2020.
وخلال الحوارات المكثفة التي تجري منذ أسبوعين داخل المنظومة الشيعية، تتصاعد تحذيرات واضحة من اختيار شخصية تنتمي إلى “محور الفصائل” لرئاسة الحكومة المقبلة.
وكان التحالف الشيعي قد تنفّس الصعداء بعد مغادرة ترامب البيت الأبيض عام 2021، تزامناً مع الانتخابات العراقية حينذاك، إذ هيّأت إدارة جو بايدن أجواء “أكثر مرونة” دفعت باتجاه تسمية محمد السوداني رئيساً للوزراء نهاية 2022.
ويقول قيادي في الإطار التنسيقي لـ”المدى”: “هذه الرفاهية لم تعد موجودة… تهديدات ترامب مستمرة، وقد يكون من الحكمة اختيار شخصية بعيدة عن محور المقاومة”.
ويتكرر المشهد من جديد كما يبدو؛ ففي عام 2020، وبعد أزمة الاحتجاجات وسقوط حكومة عادل عبد المهدي -وهو ثاني أقرب رئيس وزراء بعد السوداني إلى الفصائل- اضطر “الإطار” إلى الابتعاد عن المرشحين المحسوبين على المحور الإيراني، ليتجه إلى مصطفى الكاظمي الذي يُطرح اسمه مجدداً بعد الانتخابات الأخيرة.
وجاء ذلك الاختيار آنذاك في ظل تنفيذ واشنطن أكبر عملية اغتيال طالت قيادات من محور الفصائل في حادثة مطار بغداد الشهيرة.
ويضيف القيادي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن اللحظة الحالية “تشبه إلى حد بعيد” تلك المرحلة، مشيراً إلى رسائل عبر المبعوث الأميركي مارك سافايا تحمل تحذيرات من اختيار مرشح قريب من “المقاومة”.
وفي أول تعليق له بعد انطلاق مفاوضات تشكيل الحكومة، قال سافايا في تدوينة على منصة “إكس”: “أميركا تتابع بعناية عملية تشكيل الحكومة الجديدة”، مضيفاً أنه يتطلع لزيارة العراق قريباً والاجتماع مع قادة بارزين.
وأوضح: “أحرز العراق تقدماً كبيراً على مدى السنوات الثلاث الماضية، ونأمل استمرار هذا التقدم في الأشهر المقبلة”، مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تقبل بأي تدخل خارجي في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وفي سياق متصل، تداولت وسائل إعلام أنباء متضاربة بشأن احتمال إلغاء مهمة سافايا بسبب علاقاته مع جماعات مسلحة داخل العراق، دون تأكيد رسمي حتى الآن.
الورطة الثانية: ازدحام داخل “الإطار”!
يبدو المشهد داخل “الإطار التنسيقي” أكثر ازدحاماً من أي وقت مضى، مع تضخم عدد القوى الفائزة المنضوية في إطار التحالف الشيعي الأكبر، ما يجعل مهمة اختيار رئيس الوزراء المقبل أكثر تعقيداً. فقد وصل عدد أجنحة الإطار إلى 22 كياناً موزعين داخل 9 تحالفات كبرى. وبحسب القيادي الشيعي، فإن “مهمة تسمية رئيس وزراء وسط هذه الزحمة قد تستغرق وقتاً طويلاً”.
وكانت التوقعات الأولية قد أشارت إلى احتمال تأخر إعلان اسم رئيس الحكومة إلى نهاية العام الحالي في أفضل الأحوال، مع إمكانية امتداد المشاورات حتى شباط 2026.
ويضيف القيادي: “لن يُحسم اسم رئيس الوزراء بشكل منفرد… إنها سلسلة واحدة تضم تسمية رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان أيضاً.”
يعكس تعدد وتضارب الآراء داخل التحالف الشيعي حجم الانقسام؛ إذ ظهرت قائمتان مختلفتان لعضوية اللجنتين اللتين شكلهما الإطار:
الأولى: مقابلة المرشحين المحتملين لرئاسة الحكومة، والثانية: إدارة الحوار مع بقية الأطراف السياسية.
في اللجنة الأولى (مقابلة المرشحين)
تتداول الأوساط قائمتين؛ قائمة تضم: عمار الحكيم، همام حمودي، عبد السادة الفريجي.
وقائمة أخرى تضم: حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، وممثل عن المرجعية.
وفي اللجنة الثانية (التفاوضية)، تضم كلاً من: نوري المالكي، هادي العامري، فالح الفياض، ومحسن المندلاوي.
إلى ذلك ارتفع عدد الأسماء المتداولة لرئاسة الوزراء إلى 13 اسماً بعد إضافة: مصطفى الكاظمي، محسن المندلاوي، وفيصل النائلي (نائب سابق ورئيس مؤسسة الشهداء).
وكانت قائمة سابقة تضم 10 مرشحين من بينهم: نوري المالكي، محمد السوداني، قاسم الأعرجي، ووزير الداخلية عبد الأمير الشمري.
وتصف الأوساط السياسية هذه الأسماء بأنها “بالونات اختبار”، شأنها شأن القائمتين الخاصتين باللجان، وسط توقعات بأن الاسم الحقيقي لرئيس الوزراء سيظهر في اللحظات الأخيرة الحاسمة.
في المقابل، يضغط رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان على القوى السياسية للإسراع في تشكيل الحكومة ضمن المدد الدستورية، بعد أن وجّه انتقادات صريحة لثغرات في الدستور وموعد الاقتراع الأخير في مقال لقي اهتماماً واسعاً.
كلمة السر: نزع السلاح!
أما الورطة الثالثة التي يواجهها الإطار التنسيقي فتتمثل في الضغط المتصاعد من الفصائل الساعية للحصول على مكاسب كبيرة، وفي مقدمتها رئاسة الحكومة، بعد أن حققت نتائج قوية في الانتخابات بحصولها على نحو 80 مقعداً، أي بزيادة تقارب 30 مقعداً مقارنة بانتخابات 2021.
وتطرح الفصائل نفسها اليوم بوصفها نسخة سياسية جديدة، بعد أن أعلنت تخليها عن السلاح وانتقالها إلى ما تسميه “المقاومة السياسية”. ويكرر هذا الخطاب رئيس كتائب سيد الشهداء أبو آلاء الولائي، الذي يظهر إلى جانب قيادات الإطار في معظم الاجتماعات منذ 2022.
وكانت تلك الفصائل قد التزمت بـ”هدنة غير معلنة” مع القوات الأميركية في العراق، وسلّمت قبل نحو شهرين من دون مقابل ما كان يُعرف بـ”الجاسوسة الإسرائيلية” إليزابيث تسوكروف.
تزداد أزمة الإطار تعقيداً بسبب صعوبة فصل الكيانات السياسية عن الفصائل المسلحة؛ إذ اعتمد التحالف الشيعي في خطته الانتخابية الأخيرة على تزكية عدد من تحالفاته بعناصر مسلحة لضمان الثقل الانتخابي.
وبحسب خريطة التحالفات الفائزة داخل المعسكر الشيعي، فقد توزعت الفصائل على 6 تحالفات من أصل 9 رئيسية داخل الإطار، الأمر الذي يمنحها نفوذاً واسعاً في عملية تشكيل الحكومة ويضع الإطار تحت ضغط مباشر.
مع تصاعد الضغوط، بدأت القيادات الشيعية تروّج لنسخة جديدة من الفصائل تحت مسمى “غير المسلحة”.
وقال زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، في مقابلة تلفزيونية حديثة:
“لا نريد أن نكون جزءاً من المواجهة بين إيران وأمريكا… والفصائل المسلحة لديها رغبة بالانخراط في الدولة وتسليم سلاحها الثقيل.”
من جهته، كشف رئيس الوزراء لتصريف الأعمال محمد السوداني عن وجود حوارات لتحويل الفصائل المسلحة إلى قوى سياسية خالصة، مؤكداً مطلع عام 2025 أن ما تبقى من تلك الجماعات هو “3 أو 4” تشكيلات.










