TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > القضاء الإداري يلغي قيود بيع العقارات ويعيد الجدل حول الملكية ومكافحة غسل الأموال

القضاء الإداري يلغي قيود بيع العقارات ويعيد الجدل حول الملكية ومكافحة غسل الأموال

نشر في: 24 نوفمبر, 2025: 12:02 ص

 بغداد / سجى رياض

أصدرت محكمة القضاء الإداري في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر قرارًا يقضي بإلغاء تعليمات البنك المركزي التي تلزم المواطنين بإتمام بيع العقارات التي تتجاوز قيمتها 100 مليون دينار عراقي حصريًا عبر المصارف. وذكرت المحكمة في منطوق القرار، وبحسب الوثائق، أنّ «تلك القيود تُعد باطلة لمخالفتها أحكام القانون والدستور»، ما فتح الباب أمام نقاش قانوني واقتصادي واسع يتعلق بقضايا الملكية.
وبشأن الجوانب القانونية، يصرّح المحامي محمد جمعة لـ«المدى» قائلًا إن «قرار محكمة القضاء الإداري صحيح من الناحية القانونية، لأن تعليمات البيع كانت قد صدرت عن مجلس مكافحة غسل الأموال إلى البنك المركزي، والبنك المركزي بدوره أصدر توجيهات إلى المصارف. المجلس لا يملك سلطة اتخاذ القرارات بموجب القانون، فهو مجلس استشاري يملك صلاحية تقديم الاستشارات وتوجيه المعنيين بمصالح معينة، فضلًا عن دوائر التسجيل العقاري، وبالتالي فإن قرار المحكمة صحيح».وأشار جمعة إلى أنّ «مفاهيم الملكية واضحة في القانون العراقي، ولا يمكن تقييد حقوق الملكية. حقّ الملكية مكفول لكل عراقي. كما أنّ هذا القرار لا يكافح غسل الأموال، إذ يمكن لعقار بسعر 600 مليون دينار أن يُسجَّل بسهولة بقيمة 98 مليونًا. لذلك يعد هذا القرار مستعجلًا».
وتطرّق جمعة إلى ملف مكافحة غسل الأموال قائلًا: «ينبغي دراسة أسعار العقارات في بغداد؛ ليس من المنطقي أن يكون سعر العقار في منطقة مليار دينار، وبعد عشر دقائق فقط بالسيارة وفي المنطقة ذاتها يكون السعر أقل بكثير. الفروقات غير منطقية إطلاقًا. ينبغي أن تتدخل الدولة لتحديد تقييمات ومحددات واضحة للعقارات، فهذا هو التدخل الصحيح».
وأكد جمعة خلال حديثه عدم تأثير القرار في العلاقة بين السلطة التنفيذية والقضاء موضحًا: «هو قرار يمكن الطعن به، ولا أعتقد أنه يؤثر في العلاقة بين الطرفين. إنه حكم صحيح يمارس فيه القضاء دوره الرقابي على القرارات الإدارية الخاطئة ويلغي ما يشوبها من أخطاء قانونية. وعلى السلطة التنفيذية أن تكافح غسل الأموال بوسائل أخرى لا تمس حقوق الملكية».
ومن الناحية الاقتصادية، يرى مدير البحوث الاقتصادية في المركز العالمي للدراسات التنموية في المملكة المتحدة، الدكتور صادق الركابي، أنّ للقرار تأثيرات متفاوتة، موضحًا لـ«المدى» أنّ «هذه الخطوة من شأنها أن تعيد قدرًا من الحيوية إلى السوق العقاري على المدى القصير، إذ تخفّ الضغوط الإدارية وتُرفع العوائق التي كانت تؤخر إنجاز العديد من الصفقات الكبيرة. ومع عودة المعاملات إلى مساراتها الطبيعية، سيشعر المتعاملون باستقرار أولي بعد فترة من الترقب. لكن التأثير الحقيقي سيظل مرتبطًا بقدرة السلطات على إنتاج إطار قانوني مستقر يمنع تكرار التوجيهات المفاجئة التي تربك المستثمرين».
وتابع الركابي أنّه «على المدى الطويل، إذا جرى استثمار القرار القضائي في صياغة تشريعات واضحة تنظم حركة الأموال وتحمي حقوق الملكية، فسيشهد السوق العقاري انتعاشًا تدريجيًا وتحسنًا في حجم الاستثمارات. أما في حال غياب هذا الإطار فستبقى حالة عدم اليقين مؤثرة في توجهات المستثمرين».
وتناول الركابي الانعكاسات على السوق النقدي وسيولة المصارف قائلًا: «إن إلغاء القيود يعني أن جزءًا من التدفقات المالية لن يدخل عبر القنوات البنكية بالشكل السابق، ما قد يؤدي إلى تراجع محدود في السيولة المرتبطة بالسوق العقاري. غير أنّ هذا التراجع لا يشكل تهديدًا للاستقرار المالي، وقد يخفف من الأعباء الإدارية والرقابية المفروضة على البنوك في التحقق من مصادر الأموال. ويظل الأثر النهائي مرهونًا بقدرة الدولة على إيجاد بدائل تنظيمية تضمن الشفافية دون المساس بحقوق الملكية، بما يسمح للمصارف بالقيام بدورها دون أعباء مبالغ بها».
ولمنع تداخل التوجهات الإدارية مع حقوق الملكية، يشدد الركابي على «الحاجة إلى مراجعة شاملة لآليات صنع القرار الاقتصادي في العراق. التجارب أثبتت أن أي توجيهات إدارية تمسّ حقوق الملكية يجب أن تستند إلى إطار تشريعي واضح يحدد الصلاحيات ويضمن الاتساق بين مؤسسات الدولة. ومن الضروري أن تلجأ الحكومة إلى سن قوانين أو إصدار قرارات وزارية رفيعة المستوى قبل فرض أي إجراءات تمس سوق العقارات، مع تعزيز التعاون بين البنك المركزي ووزارة العدل ومجلس الوزراء لضمان عدم صدور تعليمات تتعارض مع القوانين النافذة».
وختم الركابي تصريحه بالإشارة إلى أنّ «تطوير البنية الرقمية للسجل العقاري وربطها بالمصارف والجهات المعنية سيحقق الشفافية المطلوبة دون فرض قيود غير مبررة على حركة السوق. بناء هذا الإطار المتكامل كفيل بتعزيز الثقة ومنع أي تداخل مستقبلي بين السلطات التنفيذية وحقوق المواطنين».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

رئاسة الحكومة بين السوداني والمالكي: غياب باقي المنافسين والحسم في شباط

رئاسة الحكومة بين السوداني والمالكي: غياب باقي المنافسين والحسم في شباط

بغداد/ تميم الحسن قرر "الإطار التنسيقي" تأجيل الإعلان عن مرشحه لرئاسة الحكومة إلى اللحظات الأخيرة التي تتيحها "التوقيتات الدستورية". ويعوّل التحالف الشيعي على الفترة الممتدة بين 45 يومًا وشهرين، ريثما يُنتخب رئيس الجمهورية، لاحتواء...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram