TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شاركوا الناس التقييم… فالإجابة لا تكتمل إلا بهم

شاركوا الناس التقييم… فالإجابة لا تكتمل إلا بهم

رسالة للأحزاب والتحالفات المدنية

نشر في: 24 نوفمبر, 2025: 12:02 ص

جاسم الحلفي

اللحظة التي نمر بها الآن تستدعي نقاشاً جدياً ومسؤولاً. فانتخابات 11/11/2025 لم تكن حدثاً عابراً، بل اختباراً فعلياً لقدرة القوى المدنية على التأثير. وما نحتاجه اليوم هو فتح حوار صريح يعيد قراءة ما جرى بلا تهوين ولا تبرير، ويضع أمامنا صورة واقعية تساعدنا على تحديد خياراتنا بوعي، وتوجه عملنا نحو مسار أكثر فاعلية في مواجهة التحديات.
التقييم هنا مطلوب وله أولوية، هدفه ليس تسجيل المواقف ولا توزيع اللوم، فالتشفي ليس حلاً و"إعطاء أذن الطرشة" ليس علاجاً. المقصود أن نضع الوقائع أمام أعيننا، نحللها، ونستند في ذلك إلى المناهج العلمية، بعيدا عن المجاملة والرغبوية، مستفيدين من كل المعطيات الرقمية والسياسية المتراكمة، كي نخرج باستنتاجات عملية تمكننا من تحقيق النجاحات الممكنة وتفادي الخسائر التي يمكن تفاديها.
الأسئلة الجوهرية الذي يجب أن نواجهها ونحن نتأمل ما أسفرت عنه الانتخابات الأخيرة، هي:
•كيف تحولت الانتخابات من آلية تداول للسلطة إلى أداة لإعادة تدوير الطغمة، وكيف استدرجت القوى المدنية، إلى ملعب صمم أصلاً لخدمة هذه المنظومة.
•هل ستكون الخسارة الكبيرة التي مُنيت بها القوى المدنية في الانتخابات، والمتمثلة بنتيجتها الرقمية المتواضعة التي لم تتجاوز (228,000) صوت لمجموع أطرها، باستثناء حصول الأستاذ عامر عبد الجبار إسماعيل على (28,645) صوتاً أهّلته للفوز بمقعد في البصرة عن تحالف "الفاو–زاخو"، منطلقاً للوثوب والتقدّم؟ أم أن هذه النتيجة، إذا لم تُقرأ بعمق ومسؤولية، ستتحوّل إلى انكسار وتراجع يصعب تداركه؟
•هل تعقدت مهمتنا حقاً؟ أم أن هذه الخسارة، بقسوتها، وضعت الصورة الفعلية أمامنا ووضحت الطريق وسهلت حسم الخيارات! ام إشارة إنذار تقول لنا إن وقت المراجعة الجدية قد حان؟
هذه الأسئلة الأساسية، نعم انها صعبة، لا يمكن إنتاج إجابتها من الانطباع ولا من المزاج، بل من بحث جدي، من أهم مستلزماته وضع الوقائع تحت مجهر الفحص، وإعادة قراءتها وتحليلها تحليلاً علمياً ومنهجياً. ومن هذا المنطلق، أرى أن أمامنا جملة مهام مترابطة ينبغي أن تشكل إطار التقييم:
أولاً: تحليل المرحلة التاريخية الراهنة والأوضاع العامة وانعكاسها على الشعب، بما في ذلك التغيرات التي أصابت البنى الاجتماعية، ومنظومة القيم، والحاجات المعيشية، وأنماط الوعي، وكيف أثر كل ذلك في السلوك السياسي والانتخابي، وفي علاقة الناس بطغمة الحكم وبالقوى المدنية على حد سواء.
ثانياً: إجراء فرز طبقي واضح، يبين بروز طغمة حكم مترفة فاسدة اغتنت من المال المنهوب ومن موارد الدولة، وتحولت إلى طبقة رثة متشابكة المصالح، تقابلها أكثرية مسحوقة ومهمشة.
المطلوب هنا تحديد حجم هذه الفجوة الطبقية، وأبعادها، وتداعياتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكيف تعيد تشكيل موقف الناس من الدولة، ومن الانتخابات، ومن القوى السياسية جميعاً، بمن فيها القوى المدنية.
ثالثاً: تحليل انعكاس هذه التحولات على السلوك الانتخابي تحديداً، كيف ترجمت الفجوة الطبقية والأزمات المعيشية إلى مقاطعة، أو عزوف، أو تصويت عقابي؟ وأين يقع الجمهور المدني ضمن هذه الخارطة؟وما الذي تعنيه لنا، عملياً، حقيقة أن شرعية طغمة الحكم تقوم على أقلية منظمة، مقابل أكثرية لم تعد ترى في صندوق الاقتراع وسيلة مجدية للتغيير؟
رابعاً: تحليل الطبيعة الطبقية للقوى المتنفذة الماسكة بالسلطة، والآليات والأساليب التي اعتمدتها في إعادة إنتاج نفوذها داخل الدولة وعبر الانتخابات، قانونها مفصل لمصلحة الطغمة، مفوضية محاصصات، مال سياسي، إعلام مسيطر عليه، وسلاح منفلت.
خامساً: ضرورة دراسة شخصية الفرد العراقي اليوم، لفهم تحوّلاته الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، واستكشاف دوافعه ومحددات وعيه، بما يوفر قاعدة معرفية تساعدنا على كسب الناس والتأثير في خياراتهم وتوجيه سلوكهم السياسي بصورة واقعية ومسؤولة.
سادساً: وضع معطيات القوى المدنية والديمقراطية، بمعناها الواسع، تحت مجهر الرصد، اطرها التنظيمية، تحالفاتها، تياراتها الشعبية، نخبها الثقافية، شبكاتها الاجتماعية، مع تحليل دقيق لقدراتها الفعلية، والتوقف عند الأرقام المتواضعة التي حصلت عليها، ومدى استعدادها لخوض نضال دؤوب في مواجهة طغمة الحكم، بعيداً عن الأوهام الانتخابية وعن الحسابات التي تكبلها بشروط المنظومة السائدة.
هذا يتطلب تمييزاً بين القوى التي اندمجت عملياً في نظام المحاصصة وبين القوى التي ما زالت قابلة لأن تكون جزءاً من معارضة اجتماعية حقيقية.
سادساً: اختيار الأسلوب الرئيسي في كفاحنا في هذه المرحلة، بوضوح لا لبس فيه:
هل نستمر في اعتبار الانتخابات، بصيغتها الحالية وتحت شروط طغمة الحكم وقوانينها ومفوضيتها ومالها السياسي، احد إمكانيات تغيير موازين القوى، مع ما يترتب على ذلك من مخاطر منح شرعية شكلية لنظام مأزوم؟
أم نعيد تمركز عملنا حول الكفاح الشعبي والمطلبي والمهني والنقابي، وصولاً إلى الاحتجاجات وقيادتها وتنظيمها، نستثمر المزاج الشعبي، والعزوف الواسع عن الانتخابات، بوصفه تعبيراً عن معارضة اجتماعية عميقة يمكن تحويلها إلى قوة منظمة؟
إن حسم هذا السؤال لا يعني إلغاء هذا الشكل أو ذاك من أشكال النضال، بل يعني تحديد مركز الثقل في عمل القوى المدنية، كي لا تتحول الانتخابات إلى بديل عن النضال الاجتماعي، ولا تتحول تكتيكاتنا الانتخابية إلى وسيلة موضوعية لتلميع شرعية طغمة الحكم التي نعلن أننا نعمل من أجل تغييرها لا تدويرها.
أضع تحت تصرف الأصدقاء هذه المحاور، آملاً أن تحظى بنقاش هادئ ومسؤول. التحديات تتطلب تعاوناً صادقاً ورؤية مشتركة، فالتاريخ لا ينتظر، والعمل الجماعي هو طريقنا لمواجهة الحقيقة وحماية مصالح شعبنا ومستقبل عراقنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عادل الخفاجي

    منذ 4 أسابيع

    نعم أستاذ جاسم حقيقة مرة القوى المدنية حصلت على اقل من ربع مليون صوت في الأنتخابات ألأخيرة و لو انا لا أعتبر عامر عبد الجبار من القوى المدنية هو يقول كان الكويت قضاءا تابعا لولاية البصرة بينما كانت أمارة الكويت في القرن ال19 امارة مستقلة لها معاهدات مع ا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram