TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الانتخابات البرلمانية في العراق: شخصيات قديمة على رقعة شطرنج جديدة

الانتخابات البرلمانية في العراق: شخصيات قديمة على رقعة شطرنج جديدة

نشر في: 24 نوفمبر, 2025: 12:03 ص

د. فالح الحمــراني

أُجريت الانتخابات البرلمانية في العراق في 11 تشرين الثاني2025، إيذانًا بالمرحلة التالية من العملية السياسية التي ستحدد موازين القوى في البلاد للسنوات القادمة. واتسمت الحملة الانتخابية بمنافسة شرسة بين الأحزاب والائتلافات السياسية الرئيسية، واستخدام مكثف لوسائل الإعلام، وسلسلة من عمليات استبعاد مرشحين مما أثار جدلًا واسعًا في المجتمع العراقي.
وجرت الانتخابات في ظل انعدام ثقة الناخبين، فعلى مدى عقدين من الزمن، انزلق النظام السياسي العراقي إلى دوامة لا تنتهي من الصفقات الخفية، حيث لا يتغير إلا المشهد، لا الجهات الفاعلة، وباتت كلمة "انتخابات" تبدو أكثر فأكثر وكأنها سخرية. من بين العوامل الرئيسية التي تفاقم الاغتراب الاجتماعي استبعاد مرشحي المعارضة، وعدم القدرة على التصويت في الخارج، وتطبيق البطاقات البيومترية (التي حدّت بشكل كبير من عدد الناخبين المحتملين)، بالإضافة إلى الفساد المستشري والبطالة والمشاكل المزمنة في الخدمات الاجتماعية الأساسية.
ووفقا لدارسة "المجلس الروسي لشؤون السياسة الخارجية" فإن الشباب، الذين يشكلون أكثر من 60% من سكان البلاد، ينطر إلى النظام السياسي الحالي على أنه نادٍ مغلق، يصعب الوصول إليه دون رعاية أو انتماء حزبي. حتى بين المشاركين في احتجاجات عام 2019 والمشاركين بنشاط في انتخابات عام 2021، يسود شعور بالعجز اليوم: فرغم الأداء الناجح نسبيًا للأحزاب والمرشحين المرتبطين بحركة احتجاجات تشرين خلال الانتخابات السابقة، إلا أن ذلك لم يُفضِ إلى تحولات مؤسسية أو تعزيز للمكانة السياسية للمجتمع المدني. بل على العكس، يُشير النظام الانتخابي المُعتمد لهذه الانتخابات ونتائج التصويت المُقابلة لها إلى تراجع ملحوظ في ديمقراطية النظام السياسي مُقارنةً بعام 2021.
ولفت الى أن العملية الانتخابية الحالية جرت في ظل اضطرابات إقليمية كبيرة (انهيار "محور المقاومة" الإيراني، والصراع الدائر في قطاع غزة، واستمرار عدم الاستقرار في سوريا ولبنان)، بالإضافة إلى غياب القوة السياسية الرائدة، التيار الوطني الشيعي (التيار الصدري)، بقيادة السيد مقتدى الصدر.
وحسب استنتاجاته لم تعكس نتائج الانتخابات أرقام الواقع: إذ وفقًا للمفوضية العليا للانتخابات العراقية، شارك 7744 مرشحًا في الانتخابات البرلمانية الحالية، من بينهم 31 ائتلافًا و38 حزبًا و79 مرشحًا مستقلًا، بنسبة إقبال بلغت 56%. بالمقارنة، في الانتخابات المبكرة لعام 2021، سُجِّل 3244 مرشحًا، من بينهم 21 ائتلافًا و108 أحزاب و789 مرشحًا مستقلًا، بنسبة إقبال بلغت 41%. تجدر الاشار الى أن المفوضية العليا للانتخابات العراقية تحسب نسبة الإقبال بناءً على عدد الناخبين المسجلين، وليس على إجمالي عدد الناخبين المؤهلين (مع العلم أن المشاركة في الانتخابات في العراق متاحة فقط بالتسجيل المسبق). في عام 2021، سُجِّل 22.1 مليون ناخب من أصل 25 مليون ناخب مؤهل، بينما في عام 2025، سُجِّل 21.4 مليون ناخب فقط من أصل 32 مليون ناخب. وبالتالي، فإن الأرقام الرسمية لا تعكس الواقع بشكل دقيق: فلا يوجد دليل على زيادة المشاركة السياسية أو الشعبية بين العراقيين، حيث إن نسبة كبيرة من السكان (10.6 مليون نسمة) لم يسجلوا للتصويت.. وأُجريت العملية الانتخابية الحالية بنظام التمثيل النسبي باستخدام طريقة سانت ليغيه المُعدّلة (بمعامل 1.7)، وقُسّم العراق مجددًا إلى 18 دائرة انتخابية وفقًا لمبدأ "محافظة واحدة لكل دائرة". استُثنيت محافظة حلبجة، التي أُدرجت ضمن السليمانية، حيث حصلت على وضعها كمحافظة مستقلة بعد إقرار قانون الانتخابات الجديد عام 2023.
ومن خصائص المشهد السياسي أن النظام السياسي في عراق ما بعد صدام استند إلى مبدأ المحاصصة الطائفية الإثنية غير المُعلن، المعروف باسم "المحاصصة الطائفية"، والذي تُوزّع بموجبه المناصب الحكومية الرئيسية على أسس طائفية وإثنية: ورغم أن أي وثيقة لم تنص على شرعية مبدأ المحاصصة، إلا أنه أصبح عنصرًا مُتجذّرًا في النموذج السياسي للبلاد. وبموجبه يُقسّم الفضاء السياسي العراقي نفسه تقليديًا إلى ثلاث كتل رئيسية: شيعية، وسنية، وكردية.
وقدر التقرير إن العنصر الرئيس في المعسكر السياسي الشيعي هو "الإطار التنسيقي"، وهي تحالف جامع يضم مختلف الأحزاب السياسية الشيعية. ويشغل المناصب القيادية فيها ائتلاف رئيس الوزراء الحالي، محمد شياع السوداني، ائتلاف "الإعمار والتنمية"، وائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، و"تحالف قوى الدولة الوطنية" بقيادة عمار الحكيم، بالإضافة إلى أحزاب وحركات مرتبطة بالجماعات المسلحة الشيعية المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي، وهي منظمة بدر (هادي العامري)، وحركة الصادقون (قيس الخزعلي)، وحزب الحقوق (حسين مؤنس). وشاركت جميع هذه القوى السياسية في الانتخابات الحالية بشكل منفصل، ولكن من المتوقع أن تتحد مجددًا بعد إعلان النتائج النهائية لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان. يمثل التيار الآخر في "البيت الشيعي" السيد مقتدى الصدر، الذي قاطعت حركته هذه الانتخابات. ويمثل حزب ثالث أحزاب سياسية شيعية "معتدلة" أخرى، وأكثرها نفوذًا تحالف "تصميم" (بقيادة اسعد العيداني).
وفي تحليلة لتوازن القوى السياسية السنية، ميز التقرير حزب التقدم، بقيادة رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي، وتحالف "العزم" بقيادة مثنى السامرائي، وتحالف "السيادة" بقيادة رجل الأعمال النافذ خميس الخنجر. ويمثل التيار الكردي تقليديًا حزبان رئيسيان: الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة السيد مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة السيد ب. طالباني، بالإضافة إلى حركة الجيل الجديد بقيادة السيد ش. عبد الواحد، الذي يُقدّم نفسه كحزب معارض.
وفي تسائله عن من فاز إذًا؟: أشار إلى أنه وكما كان متوقعًا، هيمنت الأحزاب الشيعية مجددًا بثقة على المحافظات ذات الأغلبية الشيعية (النجف، كربلاء، البصرة، وبغداد)؛ بينما احتفظت القوى السنية بتفوقها في مناطقها (الأنبار وصلاح الدين)؛ وهيمنت القوى الكردية على أربيل، دهوك، السليمانية، وكركوك. كان الانحراف الوحيد الملحوظ عن النمط المعتاد في محافظة نينوى: فعلى الرغم من تركيبتها ذات الأغلبية السنية العربية، حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على أكبر عدد من الأصوات هناك، محققًا بذلك أكبر عدد من المقاعد. وكانت النتيجة في ديالى، وهي محافظة مختلطة، ذات دلالة مماثلة، حيث فشلت الأحزاب الكردية في الحصول على مقعد واحد لأول مرة منذ عام 2005.
وأفاد بانه حتى كتابة هذا التقرير، لم تكن المفوضية العليا للانتخابات العراقية قد أصدرت بعد النتائج الرسمية لتوزيع المقاعد. ومع ذلك، ووفقًا لبيانات نشرتها عدة مصادر، تشير النتائج إلى تعزيز موقف ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، الذي حصد أكبر عدد من الأصوات في سبع محافظات من أصل ثماني عشرة، بما في ذلك محافظات بغداد والنجف وكربلاء الرئيسية، كما حقق نتائج قوية في عدة محافظات أخرى. ووفقًا للتقديرات الأولية، فإن الائتلاف وحصل على 46 مقعدًا في مجلس النواب الجديد. يفتح هذا الترتيب، نظريًا، الباب أمام محمد السوداني للترشح لولاية ثانية كرئيس للوزراء.
وخلص الى أنه وكما هو متوقع، لم تحقق أي قوة سياسية هيمنة مطلقة. وسيعتمد تشكيل الحكومة الجديدة بشكل أساسي على العلاقات بين الفصائل الشيعية داخل "الإطار التنسيقي". ومن المتوقع عودة الأحزاب التي كانت جزءًا من هذه الكتلة البرلمانية، مما قد يُسهّل عملية تشكيل الحكومة بشكل كبير. ومع ذلك، من المهم إدراك أن الفوز الانتخابي لائتلاف محمد السوداني يُفاقم خلافاته مع المعسكر الآخر داخل "الإطار التنسيقي"، والذي يُمثله بشكل رئيسي نوري المالكي، بالإضافة إلى أقرب حلفائه، هـادي العامري وقيس الخزعلي.
وأضاف إن رئيس الوزراء الحالي أكد فور إعلان النتائج الأولية للانتخابات، وأكد أن ائتلافه "منفتح على جميع الأطراف دون استثناء"، وأنه في التشكيل المستقبلي للحكومة، "سيتم مراعاة مصالح الجميع، حتى أولئك الذين اختاروا المقاطعة [في إشارة كما يبدو إلى السيد مقتدى الصدر ". ومع ذلك، يبقى السؤال: هل سينضم محمد السوداني إلى صيغة "الإطار التنسيقي" المُحدثة، أم سيحاول تشكيل كتلة أغلبية بدعم من حلفاء محتملين كالحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب التقدم السني. ووفقًا لمصطفى الموسوي، أحد قادة منظمة بدر، يُدرس سيناريو بديل داخل " لإطار التنسيقي"، وهو تشكيل كتلة برلمانية رئيسية دون مشاركة ائتلاف السوداني، رغم أنه كان جزءًا منه سابقًا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram