ترجمة المدى
رفض القائد الأعلى للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، مقترح المجموعة الرباعية لوقف إطلاق النار، المؤلفة من دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية بقيادة الولايات المتحدة، واصفًا إياه بأنه “الأسوأ حتى الآن”، في ضربة جديدة للجهود الدولية الرامية إلى إنهاء حرب مدمرة تعصف بالبلاد منذ أكثر من 30 شهرًا.
وفي تصريحات مصوّرة نشرها الجيش ليل الأحد، قال الفريق أول عبد الفتاح البرهان إن المقترح غير مقبول، متهمًا الوسطاء بأنهم منحازون في جهودهم لإنهاء الحرب، وموجّهًا انتقاداته لمسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون العربية والأفريقية، متهمًا إياه بالكذب.
وقال البرهان أمام مجموعة من كبار الضباط في أم درمان: “لا يمكن القبول بالرباعية كوسيط في الأزمة”، مبينًا أن السردية التي يرددها بولس بشأن وجود سيطرة لـتنظيم الإخوان داخل الجيش هي “سردية لا تعدو أن تكون فزاعة”.
وقال: “المقترح الأول يتناقض تمامًا مع كل ما نؤمن به، لذلك صغنا خارطة طريقنا الخاصة وأعدناها إليهم. قدموا ورقة ثانية وثالثة، وكانت الأخيرة هي الأسوأ”.
وأكد أن الجيش لن يقبل بأي وقف لإطلاق النار دون انسحاب مقاتلي قوات الدعم السريع من الأراضي التي سيطروا عليها “منذ المحادثات الأخيرة في جدة”، التي جرت قبل نحو عامين.
انزلقت السودان إلى الفوضى في أبريل 2023 عندما انفجر الصراع على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية القوية، ليتحول إلى قتال مفتوح في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى من البلاد.
وقد أسفرت الحرب المدمرة عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص، وفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة، لكن جماعات الإغاثة تقول إن هذا العدد أقل بكثير من الحقيقة، وإن العدد الفعلي قد يكون أكبر بعدة مرات. كما خلقت أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث اضطر أكثر من 14 مليون شخص إلى النزوح من منازلهم، وتسببت في تفشي الأمراض ودفع أجزاء من البلاد نحو المجاعة.
يحاول الوسطاء الذين يُعرَفون باسم “الرباعية” منذ أكثر من عامين التوصل إلى نهاية للقتال وإعادة مسار الانتقال الديمقراطي الذي تعرقل عقب الانقلاب العسكري عام 2021. وتتألف الرباعية من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة.
هذا الشهر، قال الرئيس دونالد ترامب إنه يخطط لإيلاء اهتمام أكبر للمساعدة في إنهاء الحرب في السودان، بعد أن طلب منه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اتخاذ إجراءات خلال زيارته للبيت الأبيض.
قال مسعد بولس، مستشار الشؤون الأفريقية في الإدارة الأميركية، لوكالة أسوشييتد برس في وقت سابق إن المقترح الأخير يدعو إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يليها مسار سياسي مدته تسعة أشهر. وقالت قوات الدعم السريع إنها وافقت على الهدنة، في أعقاب موجة غضب عالمية بسبب الفظائع التي ارتكبها عناصرها في مدينة الفاشر بإقليم دارفور.
لكن البرهان قال إن المقترح “يعد أسوأ وثيقة إلى الآن”، لأنه “يلغي القوات المسلحة، ويحلّ الأجهزة الأمنية، ويبقي الميليشيات في أماكنها” – في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
وأضاف: “إذا استمرت الوساطة في هذا الاتجاه، فسنعتبرها وساطة منحازة”.
ووجّه البرهان انتقادات لاذعة للمستشار الأميركي، واتهمه بمحاولة “فرض بعض الشروط علينا”. وأضاف: “نخشى أن يكون مسعد بولس عقبة أمام السلام الذي ينشده كل شعب السودان”.
وفي تصريحاته، هاجم البرهان أيضًا الإمارات. وقال إنه طالما أن الرباعية تضم الإمارات عضوًا، فإن مجموعة الوساطة “غير بريئة من المسؤولية، خصوصًا أن العالم كله شاهد دعم الإمارات للمتمردين ضد الدولة السودانية”.
وتتهم منظمات حقوقية الإمارات على نطاق واسع بتسليح قوات الدعم السريع. وكانت وكالة أسوشييتد برس قد ذكرت في وقت سابق من هذا الشهر أن التقييمات الاستخباراتية الأميركية، وعلى مدى عدة أشهر، أفادت بأن الإمارات، وهي حليف وثيق لواشنطن، كانت ترسل أسلحة إلى قوات الدعم السريع، وفقًا لمسؤول أميركي مطّلع على التقارير السرية تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.
وتنفي الإمارات دعمها لقوات الدعم السريع.
ونفى البرهان أن يكون الجيش تحت سيطرة الإسلاميين، أو أنه استخدم أسلحة كيميائية في قتاله ضد قوات الدعم السريع – وهو اتهام وجّهته إدارة ترامب في مايو الماضي.
وقال البرهان إن الجيش لن يوافق على هدنة إلا عندما تنسحب قوات الدعم السريع بشكل كامل من المناطق المدنية، للسماح بعودة النازحين إلى منازلهم، قبل الشروع في محادثات للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع.
وأضاف: “لسنا دعاة حرب، ولا نرفض السلام”، لكنه شدد قائلاً: “لكن لا أحد يستطيع أن يهددنا أو يفرض علينا شروطه”.
ووصف البرهان خطة الرباعية بأنها “أسوأ ورقة يتم تقديمها لأنها تلغي وجود القوات المسلحة وتطالب بحلّ جميع الأجهزة الأمنية وتبقي الميليشيا المتمردة في مناطقها”.
وتابع قائلًا: “نخشى أن يكون مسعد بولس عقبة في سبيل السلام الذي ينشده كل أهل السودان”، مبينًا “أنه (بولس) يهدد ويقول إن الحكومة تعيق وصول القوافل الإنسانية وقامت باستخدام أسلحة كيميائية”.
وشدد البرهان على أنه “لا أحد يستطيع أن يفرض علينا حمدوك وحميدتي. الحالمون بحكم السودان وعلى رأسهم حمدوك لن يستطيعوا حكمه مجددًا”.
وتأتي تصريحات البرهان بعد نحو ثلاثة أسابيع من استكمال قوات الدعم السريع السيطرة على كامل إقليم دارفور وتقدمها في إقليم كردفان المجاور.
واتهم البرهان قوات الدعم السريع بارتكاب “جرائم إبادة جماعية وتطهيرًا عرقيًا”.
وأشار إلى وجود “دول وجهات سياسية” (لم يسمّها) تقدّم الدعم لقوات الدعم السريع، معتبرًا هذا الدعم “غير مقبول”.
وتتزايد الدعوات الدولية والإقليمية الداعية لتنفيذ الخطة الرباعية التي تهدف إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر ووقف لإطلاق النار وحل سياسي ينهي الحرب التي أدت إلى مقتل نحو 150 ألف شخص وتشريد أكثر من 12 مليونًا.
ومع تزايد الضغوط الدولية لتنفيذ خطة الرباعية لوقف الحرب، كثفت شبكة تنظيم الإخوان ومجموعات المصالح المرتبطة به حملتها المعارضة للخطة الدولية.
ويوم الجمعة دعا الاتحاد الأوروبي طرفي القتال في السودان إلى استئناف المفاوضات والوصول إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، بما يتماشى مع خطة الرباعية الصادرة في 12 سبتمبر.
وكانت الحكومة السودانية قد أعلنت في فبراير خارطة طريق لحلّ الأزمة السودانية، تتضمن عدة محاور أبرزها إطلاق حوار وطني شامل لكل القوى السياسية والمجتمعية.
وتدعو الخطة أيضًا إلى تشكيل حكومة خبراء وطنيين مستقلين لمساعدة الدولة في تجاوز آثار الحرب، و”إلقاء السلاح وإخلاء المواقع المدنية كشرط مسبق لأي محادثات مع التمرد”.
حتى الآن، يسيطر الجيش على العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى المناطق الشرقية والشمالية والوسطى، وتسيطر قوات الدعم السريع على إقليم دارفور الغربي وأجزاء من وسط كردفان.
عن صحف ووكالات عالمية










