ترجمة: حامد أحمد
في مسعى لإظهار بوادر الشراكة الدفاعية طويلة الأمد بين بغداد وواشنطن، وافقت الولايات المتحدة على منح عقد بأكثر من 252 مليون دولار لصالح شركة أميركية لصيانه وادامة منظومة أسطول طائرات اف-16 العراقية في قاعدة بلد يمتد حتى شهر أيلول 2026 وذلك بهدف ضمان جاهزية المقاتلات العراقية والحفاظ على تشغيل القاعدة بكفاءة عالية لمواجهة أي تهديدات امنية في المنطقة وملاحقة فلول تنظيم داعش، في وقت يمثل العقد تعميق وترسيخ للعلاقة الدفاعية طويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة.
ووفقا لإعلان عقد صادر عن وزارة الحرب الأميركية (البنتاغون) بتاريخ 21 تشرين الثاني 2025، منحت الوزارة عقدا بقيمة 252 مليون و50 ألف و925 دولار لصالح شركة، فيكتروس سيستمس Vectrus Systems LLC لادامة برنامج طائرات أف – 16 العراقية في قاعدة بلد شمال بغداد.
وقد صيغ العقد ضمن إطار المبيعات العسكرية الخارجية (FMS)، ويوفر خدمات تشغيل القاعدة، والدعم المعيشي، والحماية الأمنية لأسطول أف-16 العراقي حتى شهر أيلول 2026، مع تخصيص نحو 124 مليون دولار من أموال المبيعات الخارجية عند توقيع العقد. ويتجاوز العقد كونه حزمة دعم فني فقط، اذ يعكس جهدا اميركيا لإبقاء الذراع الجوية العراقية عاملة متوافقة مع المعايير الغربية في وقت تتصاعد فيه التهديدات الأمنية عبر المنطقة.
وتم تكليف شركة فيكتروس الأميركية بتشغيل الخدمات الأساسية للقاعدة، والمرافق والخدمات المعيشية، وخدمات المدرج والحظائر، والإمداد والوقود، إضافة إلى منظومة الأمن المتعددة الطبقات حول المطار. عمليًا يعني ذلك وجود جهة تعاقدية موحّدة مسؤولة عن الحفاظ على الكهرباء والماء والإسكان والاتصالات، بما يضمن عمل فرق الصيانة وخبراء الذخيرة والأطقم الجوية ضمن بيئة مستقرة. كما يعطي نموذج "التكلفة المضافة" الأولوية لاستمرارية الخدمة وتوفرها بدلاً من إنجاز مهام منفردة، وهو أمر بالغ الأهمية لقاعدة جوية يجب أن تبقى عاملة بالكامل تحت مستويات تهديد وضغوط سياسية متغيرة.
وكان انسحاب شركات متعاقدة سابقة قاعدة بلد عام 2021 مثل شركة، ساليبورت Sallyport، وشركة أكويتي Acuity، جراء تعرض القاعدة لضربات صاروخية من فصائل مسلحة مدعومة من إيران، الأثر الكبير في تراجع عمل القاعدة، وأشارت تقارير الى ان معدل الجاهزية للأسطول تراجع بشكل حاد مع صعوبة تصدي الطواقم العراقية لمهام الصيانة المعقدة. ويسعى عقد شركة فيكتروس الجديد لتجنب مثل هذه الانقطاعات من خلال تثبيت مقدم خدمات واحد حتى عام 2026، مع تكاليف تشمل الادامة اليومية والحماية، ما يجعل منظومة الدعم أقل عرضة للصدمات قصيرة المدى.
وتحتل قاعدة بلد الجوية، التي تبعد 60 الى 70 كم شمال بغداد في محافظة صلاح الدين، أهمية محورية استراتيجية، اذ تحتضن اسراب طائرات أف-16، و تعد المركز الرئيسي للعمليات الهجومية بالطائرات ذات الجناح الثابت، بما يشمل الطلعات المتكررة ضد فلول تنظيم داعش في مناطق كركوك وصلاح الدين وجبال حمرين وعلى الحدود السورية. وخلال حملة محاربة داعش، انطلقت مقاتلات أف – 16 العراقية من بلد لتنفيذ ضربات عبر الحدود داخل سوريا بالتنسيق مع قوات التحالف وبعض الحكومات الإقليمية، وهو ما يبرز دور القاعدة كمنصة لقدرات الجوية الدقيقة خارج حدود العراق.
ومن منظور واشنطن، فان الحفاظ على ديمومة أسطول أف-16 العراقي يخدم أهداف متعددة. فعلى المستوى التكتيكي، تظل هذه المقاتلات أداة رئيسية ضد خلايا داعش المختبئة في تضاريس صعبة، حيث تكون الضربات الجوية الوسيلة الوحيدة لاستهداف عناصر مشتتة من دون نشر قوات برية كبيرة. وعلى المستويين العملياتي والاستراتيجي، يمنح وجود ذراع جوية عراقية عاملة الولايات المتحدة وشركاءها خيارات أكبر في تقاسم الأعباء في سيناريوهات مختلفة، بما يشمل الاستطلاع، والدفاع الجوي، والضربات الدقيقة المحدودة.
أما بالنسبة للعراق، فيدعم العقد توازنا حساسا بين تأكيد السيادة والحفاظ على الشراكات الأمنية وإدارة الحساسية الداخلية تجاه التواجد الأجنبي. ويواصل القادة العراقيون الإشارة الى المهام القتالية الأجنبية في طور الانتهاء، مع إعادة هيكلة التحالف وتحول الدور الأميركي الى " استشاري." ومع ذلك، طلبت بغداد مرارا استمرار الدعم الفني لأسطولها من طائرات أف-16 وقدراتها المتقدمة الأخرى التي لم تصبح مكتفية ذاتيا بعد.
في المجمل، يعد عقد شركة فيكتروس في قاعدة بلد الجوية، أكثر من مجرد حزمة دعم فني لمقاتلات العراق من أسطول طائرات أف-16. فهو يدمج تشغيل القاعدة والدعم المعيشي والأمن في مركز تواجد المقاتلات الرئيسية للبلاد. ويعالج مواطن الضعف التي كشفتها هجمات الفصائل وانسحاب المتعاقدين في السابق. ويعمق العقد من جانب آخر، ارتباط القوة الجوية العراقية بالشبكات اللوجستية والمؤسسية الغربية. وفي الصورة الاستراتيجية الاوسع ، يدعم العقد مهمة العراق الأمنية ضد داعش ، ويرسخ شريكا حكوميا مهما ضمن هندسة امنية تقودها الولايات المتحدة ، ويضمن أن تبقى بغداد محتفظة بذراع جوية ذات مصداقية وكفاءة متوافقة مع تغير هياكل التحالف. والنتيجة : قاعدة أكثر تحصينا ، واسطول أف- 16 أكثر قدرة على البقاء في الخدمة ، وعلاقة دفاعية ثنائية تعيد تشكيل نفسها بهدوء لمستقبل ينتظر فيه من العراق أن يقف على قدميه ، مع الاستعداد لازمات إقليمية قد تستمر بوجود تحديات امنية.
عن غلوبال ديفينس نيوز










