بغداد/ تميم الحسن
على خطى القوى الشيعية، أعلنت الأحزاب السنية الفائزة في الانتخابات تشكيل تحالف جديد يشبه إلى حدٍّ كبير “الإطار التنسيقي”، ويضم خمسة أطراف رئيسية، مع عدد مقاعد قد يتجاوز 70 نائباً.
وبحسب قراءات سياسية، يُرجَّح أن يكون هذا التحالف “مؤقتاً” إلى حين حسم تقاسم المناصب، نظراً لحدّة الخلافات بين مكوّناته. وبينما كان التحالف قيد التأسيس، حذّرت جهات سنية من وجود شخصية داخل التكتل “غير موثوقة”، ما يعكس هشاشة التفاهمات المبكرة.
كما أظهر التحالف الوليد مؤشرات على أنه قد يكون موجهاً لدعم شخصية شيعية محددة لتولي رئاسة الحكومة المقبلة. وفي المقابل، لا يُستبعَد أن يتحول إلى جزء من “ثلث معطِّل” إذا اتخذت مفاوضات تشكيل الحكومة مساراً مغايراً لخيارات مرشحه المفترض.
ويوم الأحد الماضي، أعلن في بغداد قادة أبرز القوى السنية تشكيل تجمّع “المجلس السياسي الوطني”، وضمّ قادة خمسة أحزاب سنية رئيسية، تقدمهم رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، زعيم حركة “تقدم” التي نالت الحصة الأكبر بين القوى السنية في البرلمان المنتخب (27 مقعداً)، ورئيس “تحالف السيادة” رجل الأعمال خميس الخنجر الخاضع لعقوبات أميركية.
واتفق المجتمعون، وفق بيان صدر عن التجمع، على “تشكيل المجلس السياسي الوطني بوصفه المظلّة الجامعة للقوى السنية الذي ينسّق المواقف ويوحّد الرؤى والقرارات إزاء مختلف الملفات الوطنية الكبرى”.
وأكدوا أن المجلس “سيكون منفتحاً على جميع الشركاء الوطنيين ومتمسكاً بالثوابت الجامعة التي تصون وحدة العراق واستقراره وتحفظ حقوق جميع مكوّناته دون استثناء”.
والأسبوع الماضي، أعلن تحالف “الإطار التنسيقي” تشكيل أكبر كتلة نيابية، بنحو 180 مقعداً، وشروعه في اختيار رئيس لمجلس الوزراء.
خلف الكواليس
وتقول مصادر سنية قريبة من التحالف الجديد لـ(المدى) إن “التكتل السني يبدو أن بعض أطرافه نسجت تفاهمات أولية مع نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، لدعمه في تشكيل الحكومة المقبلة، مقابل منح إحدى القوى السنية منصب رئيس البرلمان”.
ويراهن المالكي، وفق القراءة ذاتها، على الدعم الكردي والسني لتحقيق ولاية ثالثة، وهو ما ظهر في زيارته الأخيرة إلى أربيل ولقائه زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني السبت الماضي؛ زيارة تُعَدّ الأولى من نوعها منذ عام 2010.
وفي المقابل، يؤكد المصدر –الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لحساسية المعلومات– أن التحالف السني الجديد قد يتحول إلى “ثلث معطِّل” إذا اتجه مسار تشكيل الحكومة بعيداً عن المالكي.
وتتداول أوساط مقرّبة من المالكي حديثاً عن اتفاق مزعوم مع القوى الكردية يقضي بتسمية القيادي في الحزب الديمقراطي هوشيار زيباري لمنصب رئيس الجمهورية، مقابل تولي المالكي رئاسة الوزراء. غير أن مصادر كردية تنفي وجود أي تفاهم رسمي من هذا النوع.
وفي السياق ذاته، توقع خبير القانون سالم حواس أن يمتلك المكوّن السني بالتنسيق مع القوى الكردية “الثلث المعطِّل” أو “الضامن” داخل مجلس النواب. وقال حواس إن النتائج النهائية للانتخابات أظهرت أن الكتل الشيعية لا تمتلك هذه المرة “الأغلبية المريحة” البالغة 220 مقعداً التي تمكّنها من حسم الرئاسات من دون شراكة. وفي المقابل، يمتلك السنة 77 مقعداً والكرد 56 –من دون احتساب الأقليات– وهو ما يمنحهم مجتمعين أكثر من ثلث البرلمان، وبالتالي قدرة قانونية وسياسية على تعطيل تمرير المناصب في غياب التوافق.
ويعود ظهور مفهوم “الثلث المعطِّل” إلى عام 2022، حين استُخدم كأداة مضادة لـ”التحالف الثلاثي” آنذاك، بعد تفسير المحكمة الاتحادية لنصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، الذي اشترط حضور وتصويت ثلثي أعضاء البرلمان.
“السنّة لن يتورطوا”
وفي المقابل، يختلف إحسان الشمري، أستاذ السياسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، مع فرضية أن التحالف السني الجديد قد تشكّل لدعم شخصية محددة داخل “الإطار التنسيقي” الشيعي.
وقال الشمري لـ(المدى) إن التحالف السني لا يبدو موجهاً لترجيح طرف شيعي على آخر، مضيفاً: “لا أعتقد أن القوى السنية ستتورط في صراعات داخل الإطار التنسيقي. هم لا يريدون تكرار تجربة عام 2022، وما شهدوه آنذاك من تفجيرات وصواريخ وتهديدات تحدثوا عنها سابقاً”.
ويرى الشمري أن موقف التحالف السني يقوم على انتظار ما ستفرزه الكتلة الشيعية من مرشح لرئاسة الوزراء، والتعامل معه بما يضمن تسريع الحسم، مؤكداً أن المسألة “لا تتعلق بدعم طرف شيعي ضد آخر”.
ويشير الشمري إلى أن تشكيل “المجلس السياسي الوطني” يعكس إدراكاً مبكراً لدى الزعامات السنية بأن البنية العامة للعملية السياسية ما تزال قائمة على الأسس الطائفية والقومية، ولذلك جرى تأسيس هذا التكتل ضمن هذا الفهم.
ويضيف أن “الداعين للتحالف يدركون أيضاً ضرورة حسم ملف الرئاسات الثلاث ورسم ملامح الخارطة السياسية سريعاً”، لافتاً إلى أن الفاعل الشيعي يتحرك بالاتجاه نفسه، وهو ما دفع القوى السنية إلى إعلان التحالف بسرعة، سعياً لتجاوز خلافاتهم الداخلية والاستعداد لمرحلة الحسم.
ويتابع الشمري أن “الخطوة ترتبط كذلك باستحقاقات المكوّن السني، سواء في الرئاسات أو التشكيلة الحكومية والمناصب العليا، إضافة إلى مطالب سياسية أخرى”. ويشير إلى أن زعيم تحالف السيادة خميس الخنجر كان قد تحدث في خطابه الأخير في دهوك عن “خارطة طريق” وفق مفهوم “الدولة العادلة”، باعتبارها رؤية سنية للمرحلة المقبلة، وهو ما ينسجم مع دوافع تشكيل التحالف الجديد.
وسبق للقوى السنية أن أعلنت أكثر من تحالف منذ انتخابات 2021، لكن تلك التكتلات لم تصمد طويلاً، إذ انتهى معظمها بانشقاقات داخلية أو بتعطّل دورها السياسي. ويبرز من بينها آخر تحالف أعلنه رئيس البرلمان الأسبق محمود المشهداني، الذي خسر في الانتخابات ولم يتمكّن تحالفه من أداء أي دور فعلي.
خلافات قديمة
ويقرّ الشمري، وهو يرأس أيضاً مركز التفكير السياسي، بأن التحالف لن يلغي الخلافات أو تباين وجهات النظر بين أطرافه، لكنه قد يوفر مساحة لصياغة رؤية مشتركة إلى حين تشكيل الحكومة وتوزيع الاستحقاقات، خاصة أنه قد يضم أكثر من 70 نائباً، وهو رقم “غير بسيط”، على حد تعبيره.
ويختتم الشمري بالقول إن الخلافات ستطفو على السطح عند لحظة تقاسم السلطات والمناصب، وقد تشهد الساحة السياسية انشقاقات داخل التحالف، مشيراً إلى أن استمراره رهن بقدرته على التحول إلى مؤسسة سياسية شبيهة بالإطار التنسيقي الشيعي.
كانت القوى السنية قد أعلنت في نهاية عام 2021 تشكيل تحالف بزعامة خميس الخنجر حمل اسم “العزم” وضمّ 34 نائباً، إلا أنه سرعان ما تفكك إلى عدة كتل لاحقاً.
كما شهدت الساحة السنية نحو ثمانية انشقاقات بين أواخر 2023 ونهاية 2024، في خضمّ الأزمة التي أعقبت إطاحة المحكمة الاتحادية برئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وهو ما أدى إلى إعادة تشكّل التحالفات بصورة متكررة.
وفي مطلع عام 2025، أعلن محمود المشهداني تشكيل ما سُمّي “ائتلاف القيادة السنية الموحدة”، والذي قُدّم آنذاك بوصفه نسخة سنية شبيهة بـ”الإطار التنسيقي” الشيعي، إذ جمع عدداً من الشخصيات السياسية السنية، بينما غاب عنه محمد الحلبوسي بشكل لافت.
تحالف ظرفي يهدده شخص “غير موثوق”!
ويرى زياد العرار، الباحث والأكاديمي، أن الإعلان عن التحالف السني الجديد كان متوقعاً منذ وقت مبكر، لكنه لم يُعلَن إلا بعد مشاورات وحوارات طويلة للوصول إلى تفاهمات بشأن المناصب السياسية للسنة، وفي مقدمتها رئاسة البرلمان والوزارات.
ويضيف العرار لـ(المدى) أن التحالفات السنية من هذا النوع تتكرر في كل دورة انتخابية، لكنه لا يتوقع استمرارها على المدى البعيد، قائلاً: “قد يستمر هذا التحالف لبضعة أشهر فقط بعد حصول الأطراف على استحقاقاتها، ثم ينهار لاحقاً”.
وبحسب العرار، فإن طبيعة القوى المنضوية داخل التحالف غير منسجمة، وأن أي توافق بينها سيكون على الأغلب “مؤقتاً”. ويشير إلى أن انضمام كتلتي الجماهير والعزم يُعَدّ من أبرز سمات هذا التشكيل، موضحاً أن التحالف جاء نتيجة تفاهمات بين الحسم وتقدم والسيادة، وهو ما يعزز كونه تحالفاً ظرفياً لا يُتوقع أن يدوم.
ولفت الأنظار ما كتبه جمال الكربولي، الزعيم السني البارز ورئيس حزب “الحل”، بالتزامن مع الإعلان عن التحالف الجديد.
وقال الكربولي في تغريدة على منصة إكس إن جميع أعضاء “الإطار التنسيقي السني” يمتلكون نوايا سياسية طيبة أو على الأقل معقولة. لكنه استدرك قائلاً إن “هناك واحداً بينهم لا يمكن الوثوق به، لا بنواياه ولا بكلامه ولا بعهوده”، مشيراً إلى أن هذا الشخص “انضم إليهم فقط بهدف تفريقهم”.










