ذي قار / حسين العامل
يشهد مجلس محافظة ذي قار حراكاً من بعض أعضائه لإعداد مشروع قرار يهدف إلى الحد من الحفلات الغنائية وحسم الجدل الدائر بشأن الكنيسة في مدينة أور السياحية، إضافة إلى وضع ضوابط للحركة السياحية في المدينة، في خطوة تواجه اعتراضاً من عدد من الناشطين والمنظمات المجتمعية الذين يعدّونها مصادرة للحريات التي كفلها الدستور.
وذكر بيان صحفي لمجلس محافظة ذي قار أنّ «مجلس المحافظة عقد جلسة تداولية برئاسة رئيس لجنة العشائر والشعائر الدينية سالم عجمي الإسماعيلي، وبحضور أمين المجلس أحمد سليم، إلى جانب جمع من رجال الدين والأكاديميين والمتخصصين في الشأنين الاجتماعي والثقافي». وأضاف البيان الذي تابعته «المدى» أنّ «المشاركين بالجلسة ناقشوا مشروع قرار يهدف إلى الحد من الحفلات الغنائية التي وُصفت بالماجنة، لمخالفتها القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية، ولما قد تسببه من تأثيرات سلبية على السلم المجتمعي والهوية الثقافية في المحافظة».
وتابع البيان أنّ «الحاضرين تطرقوا أيضاً إلى مستقبل مدينة أور السياحية، مؤكدين ضرورة اعتماد رؤية توازن بين تنشيط السياحة والحفاظ على قدسية الموقع ورمزيته التاريخية عبر برامج سياحية منضبطة تعكس إرث المدينة العريق». وأشار إلى أنّ «الاجتماع تناول كذلك الجدل الدائر بشأن الكنيسة المنشأة في مدينة أور، حيث جرت مناقشة الجوانب الشرعية والقانونية والاجتماعية المرتبطة بها، مع التشديد على أهمية اتخاذ قرار يراعي خصوصية ذي قار الثقافية والدينية ويحفظ السلم الأهلي ووحدة المجتمع».
وكشف البيان عن «تشكيل لجان متابعة تُعنى بصياغة توصيات نهائية تُرفع إلى مجلس المحافظة لاعتمادها في الجلسات المقبلة، بما يضمن تحقيق المصلحة العامة وصون القيم الأصيلة لأبناء ذي قار».
وفي حديث لـ«المدى»، قال عضو مجلس محافظة ذي قار سالم عجمي الإسماعيلي عن مخرجات الاجتماع الذي ترأسه إنّ «الجلسة التي عقدت في المجلس كانت تداولية، وبحضور عضوين من مجلس المحافظة وعدد من الشخصيات الدينية والأكاديمية، ممّن لديهم ملاحظات على وجود الكنيسة في مدينة أور الأثرية وتسمية أور السياحية، وكذلك على إقامة الحفلات الغنائية الماجنة التي تخالف الذوق العام».
وتابع الإسماعيلي: «أنا شخصياً مع منع الحفلات الغنائية التي وُصفت بالماجنة، ومع إعادة النظر في تسمية مدينة أور السياحية، وكذلك في موقع الكنيسة في محافظة ذي قار»، مضيفاً: «أما وجهة نظر مجلس المحافظة فتعود لقناعات أعضائه».
ويرى الإسماعيلي أنّ مشروع القرار، الذي يُفترض أن تُشرف على إعداده لجنة خاصة من الأكاديميين والقانونيين، يستند إلى مواد قانونية ودستورية، مشيراً إلى أنّ «مشروع القرار سيُعرض أيضاً على الدائرة القانونية في مجلس المحافظة للبتّ في قانونيته قبل طرحه للتصويت».
وبالمقابل، قال الناشط هشام السومري إنّ «الجلسة التداولية جرت بغياب 16 عضواً من أعضاء مجلس المحافظة، واقتصرت على حضور عضوين فقط، وهما يمثلان جهة سياسية معروفة». وأضاف: «لا يحق لعضوين فقط رسم سياسة عامة لإدارة المحافظة وفق قناعات أيديولوجية تصادر حقوق الآخرين».
ودعا السومري الأعضاء المتبنين لمشروع منع الغناء إلى «ممارسة دورهم الرقابي بملاحقة الفساد والعمل على تقويم الأداء الإداري بما يضمن مكافحة الفساد وتأمين الخدمات الأساسية والمتطلبات الحياتية لسكان المحافظة».
ومن جانبه، يرى المركز الإعلامي في جمعية حماية وتطوير الأسرة العراقية أنّ «كل قرار يخالف بنود الدستور والقانون هو باطل»، مضيفاً أنّ «الدستور كفل الحريات العامة وحقوق الجميع في ممارسة النشاطات الثقافية والدينية والفنية»، ومشدداً على ضرورة احترام التنوع الاجتماعي والمكوناتي لجميع العراقيين، باعتبار أن العراق دولة مدنية وليست دينية.
ويؤكد المركز الإعلامي أنّ «التشكيلة السكانية في محافظة ذي قار لا تضم الشيعة وحدهم، بل تضم سنة وصابئة ومسيح وغيرهم من المكونات الاجتماعية التي نص الدستور على احترام إرادتها وعدم مصادرة حقوقها».
وأوضح المركز في تصريح لـ«المدى» أنّ «مدينة أور تعد مركزاً دينياً عالمياً، كونها تضم بيت أبي الأنبياء النبي إبراهيم الخليل (ع)، إلى جانب مكانتها العالمية وعمقها الأثري والحضاري الذي جعلها قبلة للحجيج من مختلف الأديان، واستقبالها السياح من مختلف دول العالم»، لافتاً إلى أنّ «ذلك يستدعي تأمين بيئة سياحية آمنة، لا قرارات متعجلة قد تضر باقتصاد المحافظة وتنعكس سلباً على مكانة البلاد بصورة عامة».
ودعا المركز الإعلامي مجلس المحافظة إلى «إعادة النظر بمشروع القرار»، مرجحاً «ردّه من قبل المحكمة الاتحادية في حال تشريعه، كونه يمثل مخالفة صريحة للدستور والقانون العراقي».
وأثار تحرك جماعات متشددة لمنع حفل غنائي في مدينة الناصرية منتصف الشهر الحالي جدلاً واسعاً بين الأوساط الاجتماعية والسياسية. وفيما دافع أتباع الجماعة عن فكرة «الهوية الدينية لمدينة الناصرية»، وصفت نقابات وفعاليات سياسية محاولة منع الحفل، الذي أُقيم وسط ترحيب جماهيري واسع، بالتدخل السافر لفرض الوصاية على المجتمع.
وكانت مجموعة من أتباع الحركات المتشددة قد نظمت مؤخراً وقفة أمام شركة الروابي للاستثمار والتطوير العقاري «إمباير»، التي أعلنت عن إقامة مهرجان لوضع حجر أساس لمشروع «أمباير داون تاون» السكني الاستثماري يحييه الفنان محمد عبد الجبار وعدد من الفنانين. ورفع أفراد المجموعة المتشددة، الذين تقدّر أعدادهم بنحو 20 شخصاً، لافتات كتب فيها «الناصرية حسينية الولاء ترفض الغناء» و«لن نسمح بتشويه صورة ذي قار التي شكلتها دماء الشهداء». وبالمقابل، رفع مدونون مناهضون للدعوات المتشددة شعار «ذي قار لن تكون قندهار» عبر مدوناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتشير وقائع الأحداث في مدينة الناصرية إلى تكرار محاولات المتشددين بين آونة وأخرى لمنع النشاطات الفنية، إذ سبق لشرطة محافظة ذي قار أن أعلنت، في يوم الخميس 21 آذار 2013، أن متشددين فجّروا عبوة صوتية أمام النادي الثقافي الترفيهي اللبناني وسط الناصرية، تسببت بأضرار في سيارة صاحب النادي. فيما أشار مصدر آخر إلى أن التفجير تسبب بإلغاء حفلة موسيقية للفنان المعروف حسين نعمة بمناسبة أعياد النوروز، مؤكداً أن كثيرين تضرروا بسبب الإلغاء، خاصة وأن جميع تذاكر الحفلة كانت قد بيعت.










