ميسان / مهدي الساعدي
وجّه مراقبون للشأن الأمني في محافظة ميسان انتقادات حادّة للقيادات والقوات الأمنية، عقب التدهور الأمني الذي شهدته المحافظة مؤخرًا، لاسيما بعد الحادثة التي هزّت مختلف الأوساط والمتمثلة بمقتل مدير دائرة الكهرباء في ناحية السلام التابعة لقضاء الميمونة غرب مدينة العمارة.
أسـباب بينها خلافات سابقة
ذكر شهود من أبناء ناحية السلام أن من بين أسباب مقتل مدير كهرباء الناحية، المهندس نجم عبدالله حلو، وجود خلافات سابقة بين عائلته وعشيرة أخرى، ما اضطر عائلته إلى الانتقال لمنطقة أخرى. وأوضح حامد سلمان، أحد أبناء ناحية السلام، لصحيفة «المدى» أن «المهندس نجم قُتل أمام منزل أحد أقاربه في ناحية السلام بعد أن جاء لمتابعة العمل يوم السبت من أجل نصب إحدى الشاشات الكبيرة في الناحية، وبعد الغداء صوب مجهول يستقل دراجة نارية بندقيته نحوه، وأطلق رصاصاته عليه وارداه قتيلاً». وأشار آخرون إلى أن سبب القتل لا يتعلق بالخلاف السابق، بل بوفاة أحد أبناء القرى نتيجة صعقة كهربائية حمّلت عشيرته مدير الكهرباء المسؤولية عنها. وفي هذا الصدد قال علي كامل لصحيفة «المدى»: «قيل إن حادث صعق أحد أبناء عشيرة القاتل نتيجة سقوط سلك كهربائي، وتحميل مدير كهرباء الناحية السبب كونه تعمد عدم متابعة الشبكة، هو السبب الرئيسي لحادثة قتله».
مداهمات وإصابات
نفذت القوات الأمنية في القضاء عمليات دهم وملاحقة لقاتلي مدير كهرباء الناحية، ما أدى إلى وقوع تصادم مسلح أسفر عن إصابة ثلاثة منتسبين بجروح، وفقًا لشهود. وأصدرت مديرية شرطة محافظة ميسان بيانًا اطلعت عليه صحيفة «المدى»، جاء فيه: «نفذت قوة مشتركة من قيادة عمليات ميسان وقيادة شرطة المحافظة عملية أمنية نوعية عقب حادث مقتل مسؤول مركز صيانة وجباية ناحية السلام جنوب شرقي المحافظة، وبعد التعرف على هوية المتهمين وفور وقوع الحادث فرضت القوة طوقًا أمنيًا محكمًا على المنطقة وشرعت بعمليات ملاحقة مباشرة باتجاه المتهمين، إذ تعرضت القوة إلى إطلاق نار مباشر من قبل هؤلاء، مما أدى إلى إصابة أحد المنتسبين بجروح طفيفة». وأضاف البيان: «وعلى ضوء ذلك استوجب الرد بالمثل لضمان السيطرة على الموقف ومنع توسع رقعة الاشتباك، وبعد عمليات مناورة وتحرك تم القبض على عدد من المتهمين».
بيان استنكار
توالت بيانات الاستنكار بعد حادثة القتل، فيما كان بيان فرع توزيع كهرباء ميسان الأشدّ بينها. وجاء في البيان الذي اطلعت عليه «المدى»: «في ظل ظروف صعبة وتحديات كبيرة، لكن ما يثير الأسى والقلق هو تكرار الاعتداءات على موظفينا، والتي وصلت إلى حد القتل المروّع، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه ويشكل تجاوزًا صارخًا لكل القيم الإنسانية والمهنية. فقد شكلت حادثة مقتل مسؤول مركز صيانة وجباية ناحية السلام، الشهيد المهندس نجم عبدالله حلو، صدمة كبيرة لجميع زملائه، إذ كان نموذجًا للموظف المتفاني والمخلص، يتميز بالاجتهاد وحسن المعاملة مع الجميع، وإن فقده أثّر بشكل بالغ في نفوس موظفينا وكل من عرفه».
وأضاف البيان: «كما نعلن أن فرع توزيع كهرباء ميسان لن يتردد في اتخاذ إجراءات تصعيدية تشمل تعليق العمل في حال لم يتم توفير الحماية اللازمة، لضمان إيصال صوت موظفينا إلى أعلى السلطات وتحقيق العدالة».
أعمال معتادة
أفاد متابعون للوضع الأمني في ميسان أن حالات العنف المسلح باتت أشبه بالأعمال المعتادة التي ألفها أبناء المحافظة. وفي هذا السياق قال علي حامد لصحيفة «المدى»: «العنف المسلح الذي تشهده ميسان بكل أشكاله، بما فيه استخدام السلاح المفرط، أصبح بحكم الأعمال المعتادة أو روتينًا تعيشه المحافظة، ولا يكتفي بحادثة واحدة أو ينحصر في منطقة واحدة. فخذ مثلاً حادث مقتل مدير كهرباء ناحية السلام، تبعته حادثة أخرى في ناحية العزير وفي اليوم نفسه، راح ضحيتها شخصان، أحدهما مدير مدرسة نتيجة استخدام السلاح الناري في تشييع أحد المتوفين في الناحية».
وبيّن: «وهكذا حالات عديدة، منها النزاعات والشجارات والدكات العشائرية وإطلاق نار مجهول وثارات واعتداءات مسلحة وغيرها الكثير».
من جهتهم، أشار باحثون في الشأن الأمني إلى شكلية الإجراءات الأمنية دون وجود رادع حقيقي. وقال الباحث في الشأن الأمني الميساني مصطفى عجيل خلال تصريحات صحفية تابعتها «المدى»: «محافظة ميسان دائمًا تشهد أحداثًا دموية دون رادع ودون وجود أجهزة أمنية حقيقية تردع تلك الجرائم. فالحكومة المركزية تشاهد ما يحصل وتقوم بعمليات شكلية فقط من القبض على عجلات التكتك والدراجات النارية، وتترك العشائر المتنازعة والأسلحة المنفلتة لديهم».
وأضاف: «رغم وجود تشكيلات أمنية مختلفة في المحافظة إلى حدّ تحولها إلى أشبه ما تكون بالثكنة العسكرية، لكن للأسف لا توظف تلك التشكيلات بصورة صحيحة للحد من النزاعات والقضاء عليها داخل المحافظة، كما أنها تعاملت مع المسلحين بصورة خجولة».
وانتقدت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إعلامية محلية الوضع الأمني، وأرجعت ما يحدث إلى «أعراف عشائرية متفلتة وجهل مجتمعي يتسع يومًا بعد آخر». وجاء في تدوينات تابعتها «المدى»: «الاستقرار الأمني في ميسان لم يعد مطلبًا بل أصبح حلمًا مؤجلاً. ما نعيشه اليوم هو نتيجة تراكمات كثيرة: طبقة حاكمة عاجزة، أعراف عشائرية منفلتة، وجهل مجتمعي يتسع يومًا بعد يوم. وكل ما يُطرح من حلول ترقيعية، كتغيير القيادات الأمنية أو استقدام قوات من خارج المحافظة، لم يحقق شيئًا على أرض الواقع».
ونشر رئيس مجلس محافظة ميسان، د. مصطفى دعير، تدوينة عبر صفحته الشخصية في فيسبوك معزيًا بوفاة المهندس نجم عبدالله، واطلعت عليها «المدى»: «ابتلانا الله بقومٍ ما زال الجهل يسري في عقولهم، قوم يبيع أحدهم صوته فيبيع معه شرفه ومستقبل أبنائه، فماذا ننتظر من مثل هؤلاء؟ لكن هل يُعقل أن توفّر الدولة لكل مواطن شرطيًا يحرسه؟ على الأجهزة الأمنية أن تتخذ أقسى الإجراءات ضد كل مستهتر بحياة الناس، وبلا تهاون ولا رحمة مع من يعبث بأمن المجتمع. فالأمن ليس رفاهية».
وأضاف: «الأمن هو آخر خطوط الكرامة والحياة. رحمك الله يا أبا علي، وجعل دمك آخر الدماء، وجعل الحق يعلو فوق العبث والفوضى».










