TOP

جريدة المدى > منوعات وأخيرة > رؤية في صيرورة النحت.. قراءة في معرض هادي عباس

رؤية في صيرورة النحت.. قراءة في معرض هادي عباس

نشر في: 27 نوفمبر, 2025: 12:06 ص

 بغداد / علي الدليمي

يشكل النبأ الصحفي لافتتاح المعرض الشخصي الثاني للنحات هادي عباس، الذي يقام الآن على قاعة أكد للفنون، مدخلاً مهماً ليس فقط لتوثيق حدث فني معاصر، بل لتشريح مسيرة فنان تتسم بالتنوع المادي والتحولات الأسلوبية. بوصفه وثيقة أولية، قراءة نقدية أكاديمية ترصد الدلالات الكامنة في هذه الصيرورة الفنية، خاصة فيما يتعلق بعلاقته بالخامة والتاريخ والتعبير.

 

سياق التحول ومأزق الخامة
تبرز أهمية المعرض في كونه يمثل محطة جديدة بعد "مسيرة طويلة" بدأت بـ "الطين" والنحت الفخاري، مع عشق عميق يمتد إلى فخاريات الحضارات القديمة. هذه الانطلاقة الجذرية نحو الفخار تضع هادي عباس ضمن سياق فني يربط الممارسة الحرفية بالبعد الأركيولوجي والتاريخي، مؤكداً على الذاكرة الجماعية للحضارة.
التحول اللاحق إلى النحت الرليف، والبورتريت، والموضوعات الاجتماعية، ونحت المصغرات، على خامات متنوعة كالبرونز والجبس، يشي برغبة في استيعاب التقاليد النحتية الكلاسيكية والمعاصرة. إن الإشارة إلى أن "البرونز... يحتاج إلى قوالب وممارسة عملية متواصلة وخبرة طويلة" ليست مجرد معلومة تقنية، بل تأكيد على التزام الفنان بالانضباط الحرفي الذي يعد شرطاً أساسياً في الممارسة النحتية الجادة.

فلسفة الجذع والنقاء المادي
النقطة الأكثر لفتاً للانتباه في هي اعتماده على خامات "جذوع النخيل"، لينتج منها شواخص باهرة، على طبيعتها، دون إدخال الألوان والتقنيات الأخرى. هذا الاختيار ليس عفوياً؛ فالنخيل في السياق العراقي يمثل رمزاً ثقافياً وبيئياً عميقاً. إن التعامل مع الخامة بـ "طبيعتها" يمثل موقفاً جمالياً وفلسفياً يقترب من مفهوم "المادية الصرفة" في الفن الحديث، حيث تُحتفى بخصائص الخامة العضوية وتُرفض الإضافات اللونية كعناصر تشتيت. الشواخص التي ينتجها عباس تصبح بذلك أيقونات مستخلصة من البيئة، تحمل دلالة البقاء والشموخ المتأصلة في جذع النخلة ذاته، ما يضفي على العمل بعداً يلامس فن "المنشآت الأرضية" أو الفن المفاهيمي المرتبط بالمكان.

الحادثة والاشكالية النقدية
تضفي "طرائف" التزوير التي وردت عن لسان النحات عباس، عن إحدى أعماله الخشبية بعداً نقدياً مهماً. تزعم الحادثة تزوير العمل بالبرونز وإسناده إلى النحات الراحل محمد غني حكمت. إن هذه الواقعة، رغم طابعها السردي، تطرح إشكاليات "الأصالة"، و"التوقيع الفني"، و"قيمة الخامة" في السوق الفنية. فقدان العمل للكثير من "قيمته الفنية بسبب وقوعه في أخطاء جسيمة" يفتح نقاشاً حول العلاقة بين الإسناد والجودة الحرفية والتوقيع، كأداة شرعنة، لا يغني عن الوعي التقني والبصري، خاصة عند محاكاة خامة مغايرة (تحويل الخشب إلى برونز)؛ مما يؤكد أن القيمة الفنية ليست مجرد توقيع، بل هي تضافر بين الرؤية والتنفيذ.
إن معرض النحات هادي عباس الثاني، بمجمل محطاته المذكورة، يرسم صورة لفنان ينتقل بين المواد ليخدم رؤية متجذرة في التراث (الفخار) ومنفتحة على التعبير المعاصر (جذوع النخيل). إنه يستدعي تحليلا أعمق لدلالات استخدام "جذوع النخيل" كأثر فني يحمل عبء الرمزية الثقافية، ويدعو لدراسة كيفية صراع الفنان مع مفاهيم الأصالة والتقليد في بيئة فنية معقدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

فخري كريم: النون العراقية.. ذاكرة الوطن وقوّة نهوضه

ظاهرة التحرش بالأطفال ... جلسة تثقيفية تبحث الأسباب والمعالجات

ذي قار تستعد لإطلاق النسخة الثامنة من مهرجان مصطفى جمال الدين

"أرض ضائعة" الكوري ينال اليسر الذهبي في ختام مهرجان البحر الاحمر

" سقوط الأفكار" يزجّ بشاعرة شابة إلى الساحة الأدبية الموصلية

مقالات ذات صلة

«مركبة التراث» تجوب الأقضية لترسيخ الوعي بالتاريخ والفن

«مركبة التراث» تجوب الأقضية لترسيخ الوعي بالتاريخ والفن

الموصل / سيف الدين العبيدي تعمل «مركبة التراث»، التي يشرف عليها كادر أكاديمي مسيحي مختص بالتاريخ والفنون، على التنقل بين الأقضية والمحافظات العراقية، لتقديم برامج وورش تعليمية متنوعة، تشمل التدريب على الكتابة بالخط المسماري،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram