المدى / عمار عبد الخالق
نفّذ المحاضرون المجانيون وأصحاب العقود في محافظة البصرة الأسبوع الماضي احتجاجًا واسعًا أمام ديوان المحافظة، بعد كشف ما اعتبروه ملف فساد يضم نحو 2000 اسم تم حذفهم فجأة من ملفي التعيين المعروفين بـ(19 و35). وقد عبّر المحتجون عن صدمتهم وغضبهم جراء هذا القرار المفاجئ، الذي جاء دون أي إشعار مسبق أو بيان رسمي يوضح أسبابه، مما ترك آلاف المدرسين في حالة من الارتباك وعدم اليقين بشأن مستقبلهم الوظيفي. ويؤكد المحتجون أن إجراءات التعاقد معهم جرت خلال عام 2024 عبر لجان رسمية في عدد من الأقضية والنواحي، وأن آلاف المدارس في البصرة اعتمدت على جهودهم خلال العام الدراسي الماضي قبل أن يتفاجأوا بإسقاط أسمائهم من القوائم النهائية رغم مباشرتهم العمل واستلامهم أوامر مباشرة مؤقتة.
ويصفون ما جرى بأنه “إجحاف كبير” يمس حقوق شريحة واسعة أسهمت في سد النقص الحاد في الملاكات التعليمية، مؤكدين أن عملية الحذف تمت بشكل مباغت ومن دون إعلان عن الجهة التي تقف وراءها أو الكشف عن المسوّغ الإداري الذي استندت إليه. وطالبوا في الوقفة الحكومة المحلية ووزارة التربية بإجراء تدقيق شامل للملفين وإعلان تفاصيل ما حدث للرأي العام، إلى جانب إعادة الأسماء المحذوفة وتمكين أصحابها من استكمال معاملاتهم أسوة بالمشمولين السابقين، مشددين على أن استمرار الغموض يفتح الباب أمام شبهات الفساد والتلاعب.
وأوضح عصام حسين، أحد المشاركين في التظاهرة، في حديثه للمدى أن ملفَي 19 ألف و35 ألف يمران بما وصفه بمرحلة غير طبيعية تشوبها شبهات فساد واسعة، وأن حذف نحو ألفي اسم من القوائم النهائية بشكل مفاجئ ومن دون أي توضيح رسمي يعد مؤشرًا خطيرًا يهدد شفافية الملف بالكامل. وبيّن أن شريحة كبيرة من المحاضرين تعمل منذ سنوات طويلة بصورة مجانية وفي ظروف معيشية صعبة، وأن الجميع كان ينتظر شمولهم بالتعاقد باعتباره استحقاقًا طبيعيًا لجهودهم التي أسهمت في سد النقص داخل المدارس، لكن الصدمة جاءت بعد حذف أسمائهم واستبدالها بأخرى يُقال إنها أدرجت مقابل مبالغ مالية في إشارة منه إلى عمليات دفع غير قانونية.
وأضاف أن استمرار الغموض في هذا الملف يفتح الباب أمام التلاعب والضغط، مطالبًا الجهات الرقابية بالتدخل العاجل لتدقيق القوائم وكشف الجهات التي تقف خلف هذه القرارات وضمان إعادة الحقوق إلى العاملين الذين تحملوا سنوات من العمل المجاني دون أي اعتراف رسمي بجهودهم.
وأكّد المتظاهر محمد عودة في حديثه للمدى أن ملفات الوظائف في البصرة خرجت تمامًا عن إطار السيطرة في ظل ما يجري خلف الكواليس من تدخلات لمجموعات وصفها بأنها تعمل بطريقة منظمة أشبه بـشبكات خاصة تتولى بيع الأسماء وحذفها واستبدالها وفق مصالح ضيقة لا تمت بصلة لمعايير الاستحقاق أو النزاهة.
وأضاف أن ما يحدث اليوم لا يعبّر عن خلل عابر، بل عن منظومة كاملة تعمل على تقويض حق المواطنين في الوصول إلى فرص العمل المشروعة.
وأشار إلى أن المتقدمين للوظائف يعيشون حالة غير مسبوقة من القلق بعد أن تحولت التعيينات إلى ملف تتلاعب به جهات نافذة تمتلك القدرة على الضغط والتأثير على المؤسسات الرسمية، وهو ما جعل الكثير من أصحاب الخبرة والكفاءة يشعرون بأن جهودهم تُهدر لصالح من يدفع أو يمتلك ظهرًا سياسيًا أو اجتماعيًا على حد تعبيره.
وبيّن أن البصرة تشهد منحدرًا خطيرًا في أخلاقيات العمل المهني، وأن ما كان يُعد في السابق تجاوزًا فرديًا أصبح اليوم ظاهرة علنية تتكرر في أكثر من ملف ووصلت إلى حد اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بمستقبل آلاف الشباب دون أي شفافية أو رقابة فاعلة، الأمر الذي يعمّق الشعور بالظلم ويزيد من فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
وأضاف أن استمرار هذه الممارسات يهدد الاستقرار الاجتماعي ويجعل شريحة واسعة من الشباب أمام خيارين كلاهما مرّ: إما الهجرة بحثًا عن فرصة حقيقية، أو البقاء في دائرة الإحباط التي صنعتها القرارات غير المنصفة.
ودعا الجهات الرقابية والسلطات المحلية إلى التحرّك الفوري لإعادة الانضباط إلى هذا الملف ووضع آليات واضحة تمنع التدخلات الخارجية وتعيد الاعتبار لمبدأ العدالة الوظيفية باعتباره حجر الأساس لأي إصلاح إداري حقيقي.










